تفسير سورة الجمعة
وهي مدنيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ (١) هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ (٢) وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ(٣) ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ (٤) مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ)(٥)
قوله تعالى : (يُسَبِّحُ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ) تقدّم القول في مثل ألفاظ الآية ، والمراد بالأمّيّين جميع العرب ، واختلف في المعنيين بقوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ) فقال أبو هريرة وغيره : أراد فارس (١) «وقد سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : من الآخرون؟ فأخذ بيد سليمان ، وقال : لو كان الدّين في الثّريّا لناله رجال من هؤلاء» خرّجه مسلم والبخاريّ (٢) ، وقال ابن زيد ومجاهد والضحاك وغيرهم : أراد جميع طوائف الناس (٣) ، فقوله : (مِنْهُمْ) على هذين القولين إنما يريد في البشرية والإيمان ، وقال مجاهد أيضا وغيره : أراد التابعين من أبناء العرب ، فقوله : (مِنْهُمْ) يريد في النسب والإيمان.
وقوله : (لَمَّا يَلْحَقُوا) نفي لما قرب من الحال ، والمعنى أنهم مزمعون أن يلحقوا ، فهي «لم» زيدت عليها «ما» تأكيدا.
و (الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ) هم بنو إسرائيل الأحبار المعاصرون للنبي صلىاللهعليهوسلم ، و (حُمِّلُوا) معناه كلّفوا القيام بأوامرها ونواهيها ، فهذا كما حمّل الإنسان الأمانة ، وذكر تعالى أنهم لم يحملوها ، أي : لم يطيعوا أمرها ويقفوا عند حدودها حين كذّبوا نبيّه محمّدا صلىاللهعليهوسلم ، والتوراة
__________________
(١) أخرجه البخاري حديث (٤٨٩٧)
(٢) تقدم تخريجه.
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٩٠ ـ ٩١) ، برقم : (٣٤٠٨٨) ، (٣٤٠٨٩) عن ابن زيد ، ومجاهد ، وغيرهم ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٠٧) ، والبغوي (٤ / ٣٣٩) ، وابن كثير (٤ / ٣٦٣) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٢١) ، وعزاه لعبد بن حميد ، وابن المنذر عن مجاهد ، وعزاه لابن المنذر عن الضحاك.