بالسّيف في وجهه وعلى أنفه (١) ، وقد حلّ ذلك به يوم بدر ، وقيل : ذلك الوسم هو في الآخرة ، وقال قتادة وغيره : معناه سنفعل به في الدنيا من الذّمّ له والمقت والاشتهار بالشر ، ما يبقى فيه ولا يخفى به ، فيكون ذلك كالوسم على الأنف (٢).
وقوله سبحانه : (إِنَّا بَلَوْناهُمْ) يريد : قريشا ، أي : امتحنّاهم ، و (أَصْحابَ الْجَنَّةِ) فيما ذكر كانوا إخوة ، وكان لأبيهم جنّة وحرث يغتلّه ، فكان يمسك منه قوته ، ويتصدّق على المساكين بباقيه ، وقيل : بل كان يحمل المساكين معه في وقت حصاده وجذّه فيجديهم منه ، فمات الشيخ ، فقال ولده : نحن جماعة وفعل أبينا كان خطأ فلنذهب إلى جنّتنا ، ولا يدخلنّها علينا مسكين ، ولا نعطي منها شيئا ، قال : فبيّتوا أمرهم وعزمهم ، فبعث الله عليها طائفا من نار أو غير ذلك ، فاحترقت ، فقيل : فأصبحت سوداء ، وقيل : بيضاء كالزّرع اليابس المحصود ، فلما أصبحوا إلى جنتهم ؛ لم يروها فحسبوا أنهم قد أخطؤوا الطريق ، ثم تبيّنوها فعلموا أنّ الله / أصابهم فيها ، فتابوا حينئذ فكانوا (٣) مؤمنين أهل كتاب ، فشبّه الله قريشا بهم في أنّه امتحنهم بالمصائب ، في دنياهم لعدم اتّباعهم للنبي صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ التوبة معرّضة لمن بقي منهم.
وقوله تعالى : (لَيَصْرِمُنَّها) أي : ليجذّنّها ، و (مُصْبِحِينَ) معناه : داخلين في الصباح.
وقوله تعالى : (وَلا يَسْتَثْنُونَ) [أي : لا ينثنون] (٤) عن رأي منع المساكين ، وقال مجاهد : معناه ولا يقولون إن شاء الله (٥). والصريم ، قال جماعة : أراد به اللّيل من حيث اسودّت جنّتهم ، وقال ابن عبّاس : الصريم : الرماد الأسود بلغة خزيمة ، وقولهم : (إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) يحتمل أن يكون من صرام النخل ، ويحتمل أن يريد إن كنتم أهل عزم وإقدام على رأيكم ، من قولك سيف صارم (٦) ، و (يَتَخافَتُونَ) : معناه يتكلّمون كلاما خفيّا ، وكان هذا التخافت خوفا من أن يشعر بهم المساكين ، وكان لفظهم الذي يتخافتون به : (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ).
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ١٨٨) ، برقم : (٣٤٦٢٨) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٧٩) ، وابن عطية (٥ / ٣٤٩) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٥) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٣٩٤) ، وعزاه لابن جرير ، وابن أبي حاتم ، وابن مردويه.
(٢) ذكره البغوي (٤ / ٣٧٩) ، وابن عطية (٥ / ٣٤٩) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٥)
(٣) في ط : وكانوا.
(٤) سقط في : د.
(٥) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٤٩)
(٦) ذكره البغوي (٤ / ٣٧٩) ، وابن عطية (٥ / ٣٤٩) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٦)