وقوله : (عَلى حَرْدٍ) يحتمل أن يريد على منع ، من قولهم : حاردت الإبل إذا قلّت ألبانها فمنعتها ، وحاردت السنة إذا كانت شهباء لا غلّة لها ، ويحتمل أن يريد بالحرد الغضب ، يقال حرد الرجل حردا إذا غضب ، قال البخاريّ قال قتادة : (عَلى حَرْدٍ) [أي : على جدّ] (١) في أنفسهم ، انتهى(٢).
وقوله تعالى : (قادِرِينَ) يحتمل أن يكون من القدرة ، أي : قادرون في زعمهم ويحتمل أن يكون من التّقدير الذي هو تضييق ، كأنّهم قد قدروا على المساكين ، أي ضيّقوا عليهم ، (فَلَمَّا رَأَوْها) أي : محترقة (قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ) طريق جنّتنا فلما تحقّقوها / علموا أنها قد أصيبت فقالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي : قد حرمنا غلّتها وبركتها ، فقال لهم أعدلهم قولا وعقلا وخلقا وهو الأوسط ؛ (أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) قيل هي عبارة عن تعظيم الله والعمل بطاعته سبحانه ، فبادر القوم عند ذلك وتابوا وسبّحوا ، واعترفوا بظلمهم في اعتقادهم منع الفقراء ، ولام بعضهم بعضا واعترفوا بأنهم طغوا ، أي : تعدّوا ما يلزم من مواساة المساكين ، ثم انصرفوا إلى رجاء الله سبحانه وانتظار الفضل من لدنه في أن يبدلهم ، بسبب توبتهم ، وإنابتهم خيرا من تلك الجنة ، قال الثعلبي : قال ابن مسعود : بلغني أن القوم لما أخلصوا وعلم الله صدقهم أبدلهم الله ـ عزوجل ـ بها جنة يقال لها الحيوان ، فيها عنب يحمل البغل العنقود منها (٣) ، وعن أبي خالد اليماني أنه رأى تلك الجنة ورأى كلّ عنقود منها كالرّجل الأسود القائم ، انتهى ، ، وقدرة الله أعظم فلا يستغرب هذا إن صحّ سنده.
(كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ)(٤٣)
وقوله سبحانه : (كَذلِكَ الْعَذابُ) أي : كفعلنا بأهل الجنة نفعل بمن تعدّى حدودنا.
(وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ) أي : أعظم مما أصابهم ، إن لم يتوبوا في الدنيا.
__________________
(١) سقط في : د.
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ١٩١) ، برقم : (٣٤٦٤٤) ، وذكره البغوي (٤ / ٣٨٠) ، وابن كثير (٤ / ٤٠٦)
(٣) ذكره البغوي (٤ / ٣٨١)