ثم أخبر تعالى ب (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ) فروي أنه لما نزلت هذه الآية قالت قريش : إن كان ثمّ جنّات نعيم فلنا فيها أكبر الحظّ ، فنزلت (أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ) الآية ؛ توبيخا لهم.
(أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) منزّل من عند الله تدرسون فيه أنّ لكم ما تختارون من النعيم ، ف (إِنَ) معمولة ل (تَدْرُسُونَ) وكسرت الهمزة من (إِنَ) لدخول اللام في الخبر ، وهي في معنى (أن) ـ بفتح الألف ـ وقرىء شاذا (١) : «أنّ لكم» بالفتح ، وقرأ الأعرج (٢) : «أنّ / لكم فيه» على الاستفهام ، ثم خاطب تعالى الكفار بقوله : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ) كأنه يقول هل أقسمنا لكم قسما فهو عهد لكم بأنّا ننعّمكم في يوم القيامة ، وما بعده ، وقرأ الأعرج (٣) : «آن لكم لما تحكمون» على الاستفهام ، أيضا.
(سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) أي : ضامن* ت* : قال الهروي : وقوله : (أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ) أي مؤكّدة ، انتهى.
وقوله تعالى : (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ) قيل : هو استدعاء وتوقيف في الدنيا ، أي : ليحضروهم حتّى يرى هل هم بحال من يضرّ وينفع أم لا؟ وقيل : هو استدعاء وتوقيف على أن يأتوا بهم يوم القيامة (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) وقرأ ابن عبّاس (٤) : «تكشف» ـ بضم التاء ـ على معنى : تكشف القيامة والشدة والحال الحاضرة ، وقرأ ابن عبّاس (٥) أيضا : «تكشف» ـ بفتح التاء ـ على أنّ القيامة هي الكاشفة ، وهذه القراءة مفسّرة لقراءة الجماعة ، فما ورد في الحديث والآية من كشف الساق فهو عبارة عن شدة الهول.
وقوله ـ جلت عظمته ـ : (وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ) وفي الحديث الصحيح : «فيخرّون لله سجّدا أجمعون ولا يبقى أحد كان يسجد في الدنيا رياء ولا سمعة ولا نفاقا إلا صار ظهره طبقا واحدا ؛ كلّما أراد أن يسجد خرّ على قفاه» (٦) ، الحديث ، وفي
__________________
(١) قرأ بها الأعرج ، كما ذكر ابن خالويه في «مختصر الشواذ» ص : (١٦٠) ، وقرأ بها طلحة ، والضحاك ، كما في «الدر المصون» (٦ / ٣٥٧)
(٢) ينظر : «مختصر الشواذ» ص (١٦٠) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٥٢) و «البحر المحيط» (٨ / ٣٠٩) ، و «الدر المصون» (٦ / ٣٥٧)
(٣) ينظر : «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٥٢) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٣٠٩)
(٤) ينظر : «المحتسب» (٢ / ١٦٠) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٣٥٣)
(٥) ينظر : مصادر القراءة السابقة.
(٦) أخرجه البخاري (٨ / ٥٣١) ، كتاب «التفسير» باب : يوم يكشف عن ساق (٤٩١٩) نحوه. ـ