تفسير سورة «الحاقّة»
[وهي] مكّيّة بإجماع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ (٢) وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ (٣) كَذَّبَتْ ثَمُودُ وَعادٌ بِالْقارِعَةِ)(٤)
قوله عزوجل : (الْحَاقَّةُ* مَا الْحَاقَّةُ) المراد بالحاقّة : القيامة ، وهي اسم فاعل من حقّ الشيء يحقّ ؛ لأنها حقّت لكل عامل عمله ، قال ابن عبّاس وغيره : سمّيت القيامة حاقّة لأنّها تبدي حقائق الأشياء (١) ، و (الْحَاقَّةُ) : مبتدأ و (مَا) مبتدأ ثان ، والحاقّة الثانية خبر (مَا) والجملة خبر الأولى ، وهذا كما تقول : زيد ما زيد على معنى التعظيم له ، وإبهام التعظيم أيضا ليتخيّل السّامع أقصى جهده.
وقوله : (وَما أَدْراكَ مَا الْحَاقَّةُ) مبالغة في هذا المعنى : أي : أن فيها ما لم تدره من أهوالها ، وتفاصيل صفاتها ، ثم ذكر تعالى تكذيب ثمود وعاد بهذا الأمر الذي هو حقّ مشيرا إلى أن من كذّب بذلك ينزل به ما نزل بأولئك ، والقارعة : من أسماء القيامة أيضا ؛ لأنها تقرع القلوب بصدمتها.
(فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ (٥) وَأَمَّا عادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عاتِيَةٍ (٦) سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَثَمانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ (٧) فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ (٨) وَجاءَ فِرْعَوْنُ وَمَنْ قَبْلَهُ وَالْمُؤْتَفِكاتُ بِالْخاطِئَةِ (٩) فَعَصَوْا رَسُولَ رَبِّهِمْ فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً (١٠) إِنَّا لَمَّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ (١١) لِنَجْعَلَها لَكُمْ تَذْكِرَةً وَتَعِيَها أُذُنٌ واعِيَةٌ (١٢) فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ نَفْخَةٌ واحِدَةٌ (١٣) وَحُمِلَتِ الْأَرْضُ وَالْجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً واحِدَةً (١٤) فَيَوْمَئِذٍ وَقَعَتِ الْواقِعَةُ (١٥) وَانْشَقَّتِ السَّماءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ واهِيَةٌ (١٦) وَالْمَلَكُ عَلى أَرْجائِها وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمانِيَةٌ)(١٧)
وقوله سبحانه : (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) قال قتادة : معناه : بالصّيحة التي خرجت عن حدّ كلّ صيحة (٢) ، وقيل : المعنى بسبب الفئة الطاغية ، وقيل : بسبب الفعلة الطاغية ، وقال ابن زيد ما معناه : الطاغية مصدر كالعاقبة ، فكأنه قال بطغيانهم (٣) ؛ وقاله أبو
__________________
(١) ذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٦)
(٢) ذكره البغوي (٤ / ٣٨٦) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٦) ، وذكره ابن كثير (٤ / ٤١٢)
(٣) أخرجه الطبري (١٢ / ٢٠٧) ، رقم : (٣٤٧٢٢) بنحوه ، وذكره ابن عطية (٥ / ٣٥٧)