وبذلك فسّر مجاهد وابن زيد (١).
(فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ (١٤٣) لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ)(١٤٤)
وقوله سبحانه : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) قيل : المراد : القائلين : سبحان الله في بطن الحوت ؛ قاله ابن جريج (٢) ، وقالت فرقة : بل التّسبيح هنا الصلاة ، قال ابن عبّاس وغيره : صلاته في وقت الرخاء نفعته في وقت الشدّة (٣) ؛ وقال هذا جماعة من العلماء ، وقال الضّحّاك بن قيس على منبره : اذكروا الله ؛ عباد الله ؛ في الرخاء يذكركم في الشدّة ، إن يونس كان عبد لله ذاكرا له ، فلمّا أصابته الشدّة نفعه ذلك ، قال الله ـ عزوجل ـ : (فَلَوْ لا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ* لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) ، وإن فرعون كان طاغيا باغيا فلمّا أدركه الغرق ، قال : آمنت ، فلم ينفعه ذلك ، فاذكروا الله في الرخاء يذكركم في الشدّة (٤) ، وقال ابن جبير : الإشارة بقوله : (مِنَ الْمُسَبِّحِينَ) إلى قوله : (لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ) (٥) [الأنبياء : ٨٧].
(فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (١٤٥) وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ)(١٤٦)
وقوله سبحانه : (فَنَبَذْناهُ بِالْعَراءِ ...) الآية ، «العراء» : الأرض الفيحاء التي لا شجر فيها ولا معلم ، قال ابن عبّاس وغيره في قوله : (وَهُوَ سَقِيمٌ) : إنّه كالطفل المنفوس ، بضعة لحم (٦) ، وقال بعضهم كاللّحم النيء ، إلّا أنّه لم ينقص من خلقه شيء ، فأنعشه الله في ظلّ اليقطينة بلبن أرويّه [كانت تغاديه وتراوحه ، وقيل : بل كان يتغذّى من اليقطينة ،
__________________
(١) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٢٧) برقم : (٢٩٥٩٦) عن مجاهد ، وبرقم : (٢٩٥٩٨) عن ابن زيد بلفظ : مذنب ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٤٣) ، وابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٨٦) عنهما ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٤٢) ، وعزاه لعبد بن حميد عن مجاهد.
(٢) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٨٦)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٢٨) برقم : (٢٩٦٠٠) عن قتادة ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٨٦) عن ابن عبّاس ، وقتادة ، وأبي العالية ، وذكره السيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٤٣) ، وعزاه لأحمد ، وابن أبي حاتم عن قتادة.
(٤) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٢٨) برقم : (٢٩٦٠٦) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٨٦) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٥ / ٥٤٣) ، وعزاه لابن أبي شيبة.
(٥) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٢٩) برقم : (٢٩٦٠٨) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٤٣)
(٦) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٥٢٩) برقم : (٢٩٦١٤) عن السدي ، ورقم : (٢٩٦١٥) عن ابن عبّاس ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٨٦) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٢١)