تفسير سورة «عبس»
وهي مكّيّة بإجماع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(عَبَسَ وَتَوَلَّى (١) أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى (٢) وَما يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى (٣) أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرى (٤) أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى (٥) فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى (٦) وَما عَلَيْكَ أَلاَّ يَزَّكَّى (٧) وَأَمَّا مَنْ جاءَكَ يَسْعى)(٨)
قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى* أَنْ جاءَهُ الْأَعْمى) سببها : أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم كان يدعو بعض صناديد قريش ويقرأ عليه القرآن ويقول له : هل ترى بما أقول بأسا ، فكان ذلك الرجل يقول : لا والدّمى يعني الأصنام ؛ إذ جاء ابن أم مكتوم ؛ فقال : يا رسول الله! استدنني وعلّمني مما علّمك الله ؛ فكان [في] ذلك كلّه قطع لحديث النبي صلىاللهعليهوسلم مع الرجل ، فلما شغب عليه ابن أم مكتوم عبس صلىاللهعليهوسلم وأعرض عنه ؛ فنزلت الآية ، قال سفيان الثوريّ : فكان بعد ذلك إذا رأى ابن أم مكتوم قال : مرحبا بمن عاتبني فيه ربّي ـ عزوجل ـ وبسط له رداءه واستخلفه على المدينة مرتين (١) ، * ت* : والكافر المشار إليه في الآية هو : الوليد بن المغيرة ؛ قاله ابن إسحاق ، انتهى ، ثم أكّد تعالى عتب نبيه بقوله : (أَمَّا مَنِ اسْتَغْنى) أي بماله ، (فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى) أي : تتعرّض.
(وَهُوَ يَخْشى (٩) فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى (١٠) كَلاَّ إِنَّها تَذْكِرَةٌ (١١) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ)(١٢)
وقوله : (وَهُوَ يَخْشى) أي : يخشى الله ، (فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى) أي تشتغل ، تقول لهيت عن الشيء ألهى إذا اشتغلت عنه ، وليس من اللهو ، وهذه الآية السبب فيها هذا ؛ ثم هي بعد تتناول من شاركهم في هذه الأوصاف ، فحملة الشرع والعلم مخاطبون بتقريب الضّعيف من أهل الخير وتقديمه على الشريف العاري من الخير ، مثل ما خوطب به النبي صلىاللهعليهوسلم في هذه السورة ، قال عياض : وليس في قوله تعالى : (عَبَسَ وَتَوَلَّى) الآية ، ما يقتضي إثبات ذنب للنبي صلىاللهعليهوسلم ، أو أنه خالف أمر ربّه سبحانه ، وإنّما في الآية الإعلام بحال
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٤٤٤) عن قتادة وغيره (٣٦٣٢٢) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٤٣٦) بنحوه.