تفسير سورة «اللّيل»
وهي مكّيّة في قول الجمهور
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشى (١) وَالنَّهارِ إِذا تَجَلَّى)(٢)
أقسم تعالى بالليل إذا غشي الأرض وجميع ما فيها ، وبالنهار إذا تجلّى ، أي : ظهر وضوّى الآفاق ، وقال ـ ص ـ : (يَغْشى) : مفعوله محذوف فيحتمل أن يكون النهار كقوله : (يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ) [الأعراف : ٥٤] أو الشمس ؛ كقوله تعالى : (وَاللَّيْلِ إِذا يَغْشاها) [الشمس : ٤] وقيل الأرض وما فيها ، انتهى.
(وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى (٣) إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى (٤) فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى (١٠) وَما يُغْنِي عَنْهُ مالُهُ إِذا تَرَدَّى (١١) إِنَّ عَلَيْنا لَلْهُدى (١٢) وَإِنَّ لَنا لَلْآخِرَةَ وَالْأُولى (١٣) فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظَّى)(١٤)
وقوله تعالى : (وَما خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنْثى) يحتمل أن تكون «ما» بمعنى : «الذي» ويحتمل أن تكون مصدرية ، والذكر والأنثى هنا عامّ ، وقال الحسن : المراد آدم وحواء (١) ، والسّعي العمل ، فأخبر تعالى مقسما أنّ أعمال العباد شتّى ، أي : متفرقة جدّا ؛ بعضها في رضي الله ، وبعضها في سخطه ، ثم قسّم تعالى الساعين فقال : (فَأَمَّا مَنْ أَعْطى وَاتَّقى) الآية ، ويروى أن هذه الآية نزلت في أبي بكر الصديق ـ رضي الله عنه ـ.
وقوله تعالى : (وَصَدَّقَ بِالْحُسْنى) قيل هي : لا إله إلا الله ، وقيل : هي الخلف الذي وعد الله به ، وقيل : هي الجنة ، وقال كثير من المتأولين : الحسنى : الأجر والثواب مجملا ، والعسرى : الحال السيئة في الدنيا والآخرة ، ومن جعل (بَخِلَ) في المال خاصّة ؛ جعل (اسْتَغْنى) في المال أيضا ، لتعظم المذمّة ، ومن جعل (بَخِلَ) عامّا في جميع ما ينبغي أن يبذل ، من قول أو فعل ؛ قال : (اسْتَغْنى) عن الله ورحمته بزعمه ، وظاهر قوله :
__________________
(١) ذكره البغوي (٤ / ٤٩٤) ، وابن عطية (٥ / ٤٩٠)