تفسير سورة «العلق»
وهي مكّيّة بإجماع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ)(٥)
[قوله تعالى : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ)] : هو أول ما نزل من كتاب الله تعالى ، نزل صدر [هذه الآية] إلى قوله : (ما لَمْ يَعْلَمْ) في غار حراء حسب ما ثبت في «صحيح البخاريّ» وغيره ، ومعنى قوله : (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) أي : اقرأ هذا القرآن باسم ربك ، أي : مبتدئا باسم ربك ، ويحتمل أن يكون المقروء الذي أمر بقراءته هو (بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ) كأنه قيل له : اقرأ هذا اللفظ ، والعلق : جمع علقة وهي القطعة اليسيرة من الدّم ، والإنسان هنا اسم جنس ، ثم قال تعالى : (اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ) على جهة التأنيس كأنّه يقول : امض لما أمرت به ، وربّك ليس كهذه الأرباب ؛ بل هو الأكرم الذي لا يلحقه نقص ، ثم عدّد تعالى نعمة الكتابة بالقلم على الناس ، وهي من أعظم النعم.
و (عَلَّمَ الْإِنْسانَ ما لَمْ يَعْلَمْ) قيل : هو آدم وقيل : [هو] اسم جنس ؛ وهو الأظهر.
(كَلاَّ إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (٦) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى (٧) إِنَّ إِلى رَبِّكَ الرُّجْعى (٨) أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهى (٩) عَبْداً إِذا صَلَّى (١٠) أَرَأَيْتَ إِنْ كانَ عَلَى الْهُدى (١١) أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوى (١٢) أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى)(١٣)
وقوله تعالى : (كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى) إلى آخر السورة نزلت في أبي جهل ، وذلك أنّه طغى لغناه وكثرة من يغشى ناديه ، فناصب رسول الله صلىاللهعليهوسلم ونهاه عن الصلاة في المسجد ، وقال : لئن رأيت محمّدا يسجد عند الكعبة لأطأنّ عنقه ، فيروى أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم ردّ عليه القول وانتهره ، وعبارة الداوديّ : فتهدّده النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال أبو جهل : أتهدّدني؟ أما والله إني لأكثر أهل الوادي ناديا فنزلت الآية ، انتهى.
و (كَلَّا) ردّ على أبي جهل ، ويتّجه أن تكون بمعنى : حقّا ، والضمير في (رَآهُ) للإنسان المذكور ، كأنّه قال : أن رأى نفسه غنيّا وهي رؤية قلبيّة ؛ ولذلك جاز أن يعمل فعل