تفسير سورة «القدر»
قال ابن عبّاس : هي مدنيّة وقال قتادة : هي مكّيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(إِنَّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١) وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ (٢) لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ (٣) تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيها بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ (٤) سَلامٌ هِيَ حَتَّى مَطْلَعِ الْفَجْرِ)(٥)
قوله تعالى : (إِنَّا أَنْزَلْناهُ) الضمير في (أَنْزَلْناهُ) للقرآن قال الشعبيّ وغيره : المعنى : إنا ابتدأنا إنزال هذا القرآن إليك في ليلة القدر ، وقد روي : أن نزول الملك في حراء كان في العشر الأواخر من رمضان ، فيستقيم هذا التأويل (١) وقال ابن عبّاس وغيره : أنزله الله تعالى ليلة القدر إلى سماء الدّنيا جملة ، ثم نجّمه على محمّد صلىاللهعليهوسلم عشرين سنة ، وليلة القدر خصّها الله تعالى بفضل عظيم ، وجعلها أفضل من ألف شهر لا ليلة قدر فيها ؛ قاله مجاهد وغيره (٢) ، وخصّت هذه الأمّة بهذه الفضيلة لمّا رأى النبي صلىاللهعليهوسلم أعمار أمّته وتقاصرها / وخشي ألّا يبلغوا من الأعمال مثل الّذي بلغ غيرهم في طول العمر ، فأعطاه الله عزوجل ليلة القدر خيرا من ألف شهر ، قال ابن العربيّ في «أحكامه» : وقد روى مالك هذا الحديث في «الموطّأ» (٣) ؛ ثبت ذلك من رواية ابن القاسم وغيره ، انتهى ، ثم فخّمها سبحانه بقوله : (وَما أَدْراكَ ما لَيْلَةُ الْقَدْرِ) قال ابن عيينة في «صحيح البخاري» : ما كان في القرآن : (وَما أَدْراكَ) فقد أعلمه ، وما قال : وما يدريك فإنّه لم يعلمه ، وذكر ابن عبّاس وغيره : أنها سمّيت ليلة القدر ؛ لأنّ الله تعالى يقدّر فيها الآجال والأرزاق وحوادث العام كلّها ،
__________________
(١) أخرجه الطبري (١٢ / ٦٥١) ، (٣٧٧٠١) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٥٠٤)
(٢) أخرجه الطبري (١٢ / ٦٥١) ، (٣٧٦٩٧) ، وذكره ابن عطية (٥ / ٥٠٤) ، وابن كثير في «تفسيره» (٤ / ٥٢٩) ، والسيوطي في «الدر المنثور» (٦ / ٦٢٨) ، وعزاه لابن الضريس ، وابن جرير ، وابن المنذر وابن أبي حاتم وصححه ، وابن مردويه ، والبيهقي في «الدلائل» عن ابن عبّاس.
(٣) أخرجه مالك في «الموطأ» (١٦٥) ، (٧٠٥) مرسلا.