تفسير سورة «التّكاثر»
وهي مكّيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ (٢) كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ (٣) ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ)(٤)
قوله تعالى : (أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ) أي : شغلكم المباهاة والمفاخرة بكثرة المال والأولاد والعدد ، وهذا هجّيرى أبناء الدنيا العرب وغيرهم ؛ لا يتخلص منه إلا العلماء المتقون ، قال الفخر : فالألف واللام في (التَّكاثُرُ) ليس للاستغراق بل للمعهود السّابق في الذّهن ، وهو التكاثر في الدنيا ؛ ولذاتها وعلائقها ؛ فإنّه هو الذي يمنع عن طاعة الله وعبوديّته ؛ ولما كان ذلك مقرّرا في العقول ومتّفقا عليه في الأديان لا جرم ؛ حسن دخول حرف التعريف عليه ؛ فالآية دالّة على أن التكاثر والتفاخر بما ذكر مذموم ، انتهى.
وقوله تعالى : (حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ) أي حتى متّم فدفنتم في المقابر وهذا خبر فيه تقريع وتوبيخ وتحسّر ، وفي الحديث الصحيح عنه صلىاللهعليهوسلم «يقول ابن آدم : مالي مالي ، وهل لك يا بن آدم من مالك إلّا ما أكلت فأفنيت أو لبست فأبليت أو تصدّقت فأمضيت» (١) قال ـ ص ـ : قرأ الجمهور : «ألهاكم» على الخبر ، وابن عبّاس بالمدّ ، والكسائيّ (٢) في رواية
__________________
(١) أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٣) ، كتاب «الزهد والرقائق» باب : (٣ / ٢٩٥٨) ، والترمذي (٥ / ٤٤٧) ، كتاب «تفسير القرآن» باب : ومن سورة التكاثر (٣٣٥٤) ، (٤ / ٥٧٢) ، كتاب «الزهد» باب : منه (٢٣٤٢) ، والنسائي (٦ / ٢٣٨) ، كتاب «الوصايا» باب : الكراهية في تأخير الوصية (٣٦١٣) ، وأحمد (٤ / ٢٤) ، وأبو نعيم في «الحلية» (٢ / ٢١١).
قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح.
وفي الباب من حديث أبي هريرة رضي الله عنه نحوه ، أخرجه مسلم (٤ / ٢٢٧٣) ، كتاب «الزهد والرقائق» باب : (٤ / ٢٩٥٩) ، والبيهقي (٣ / ٣٦٩) ، كتاب «الجنائز» باب : ما ينبغي لكل مسلم أن يستعمله من قعر الأمل ، وابن حبان في «صحيحه» (٨ / ٣٥ ـ ٣٦) كتاب «الزكاة» باب : ما جاء في الحرص وما يتعلق به (٣٢٤٤)
(٢) ينظر : «مختصر القراءات» (١٧٩) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٥٠٦)