تفسير سورة «المسد»
وهي مكّيّة بإجماع
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ (٢) سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ)(٥)
في «صحيح البخاري» وغيره عن ابن عبّاس : «لمّا نزلت : (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ) [الشعراء : ٢١٤] ورهطك منهم المخلصين خرج رسول الله صلىاللهعليهوسلم حتّى صعد الصّفا فهتف : يا صباحاه ، فقالوا : من هذا؟ فاجتمعوا / إليه ، فقال : أرأيتم إن أخبرتكم أنّ خيلا تخرج من سفح هذا الجبل ، أكنتم مصدّقيّ ؛ قالوا : نعم ؛ ما جرّبنا عليك كذبا ، قال : فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد ، فقال أبو لهب : تبّا لك ، ما جمعتنا إلّا لهذا ، ثمّ قام فنزلت : (تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ) إلى آخرها» (١) ، و (تَبَّتْ) معناه : خسرت والتّباب الخسران ، والدّمار ، وأسند ذلك إلى اليدين من حيث إنّ اليد موضع الكسب والربح ، وضمّ ما يملك ، ثم أوجب عليه أنه قد تبّ ، أي : حتّم ذلك عليه ، وفي قراءة ابن مسعود (٢) : «وقد تبّ» ، وأبو لهب هو عبد العزّى بن عبد المطّلب ، وهو عمّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم ولكن سبقت له الشقاوة ، قال السهيليّ : كنّاه الله بأبي لهب لما خلقه سبحانه للهب وإليه مصيره ألا تراه تعالى قال : (سَيَصْلى ناراً ذاتَ لَهَبٍ) فكانت كنيته بأبي لهب تقدّمت لما يصير إليه من اللهب ، انتهى.
وقوله سبحانه : (ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ) يحتمل أن تكون «ما» نافية على معنى الخبر ، ويحتمل أن تكون «ما» استفهامية على وجه التقرير أي : أين الغناء الذي لماله وكسبه ، (وَما
__________________
(١) أخرجه البخاري (٨ / ٦٠٩) ، كتاب «التفسير» باب : سورة : تبت حديث (٤٩٧١)
(٢) ينظر : «الكشاف» (٤ / ٨١٤) ، و «المحرر الوجيز» (٥ / ٥٣٤) ، و «البحر المحيط» (٨ / ٥٢٦) ، و «الدر المصون» (٦ / ٥٨٥)