تفسير سورة الناس
قال ابن عبّاس وغيره : هي مدنيّة ، وقال قتادة : مكّيّة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ (٢) إِلهِ النَّاسِ (٣) مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ (٤) الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥) مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ)(٦)
قوله عزوجل : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلهِ النَّاسِ مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ) : (الْوَسْواسِ) : اسم من أسماء الشيطان ، وقوله : (الْخَنَّاسِ) معناه : الرّاجع على عقبه المستتر أحيانا ، فإذا ذكر العبد الله تعالى وتعوّذ ، تذكّر فأبصر ؛ كما قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ ...) [الأعراف : ٢٠١] الآية : قال النوويّ (١) : قال بعض العلماء : يستحبّ قول : لا إله إلا الله لمن ابتلي بالوسوسة في الوضوء والصلاة وشبههما ؛ فإن الشيطان إذا سمع الذّكر ، خنس ، أي : تأخّر وبعد ، و «لا إله إلا الله» : رأس الذّكر ؛ ولذلك اختار السّادة الجلّة من صفوة هذه الأمة أهل تربية السّالكين وتأديب المريدين ـ قول «لا إله إلا الله» لأهل الخلوة ـ ، وأمروهم بالمداومة عليها ، وقالوا : أنفع علاج في دفع الوسوسة الإقبال على ذكر الله تعالى والإكثار منه ، وقال السّيّد الجليل أحمد بن أبي الحواريّ : شكوت إلى أبي سليمان الدّرانيّ الوسواس ، فقال : إذا أردت أن ينقطع عنك ، فأيّ وقت أحسست به ، فافرح ، فإنك إذا فرحت به ، انقطع عنك ؛ لأنه ليس شيء أبغض إلى الشيطان من سرور المؤمن ، وإن اغتممت به ، زادك ، * ت* : وهذا مما يؤيّد ما قاله بعض الأئمة ؛ أنّ الوسواس إنما يبتلى به من كمل إيمانه ؛ فإن اللّصّ لا يقصد بيتا خربا. انتهى ، * ت* : ورأيت في «مختصر الطبريّ» نحو هذا.
وقوله تعالى : (مِنَ الْجِنَّةِ) يعني : الشياطين ، ويظهر أن يكون قوله : (وَالنَّاسِ) يراد به : من يوسوس بخدعة من الشرّ ، ويدعو إلى الباطل ، فهو في ذلك كالشّيطان ، قال أحمد بن نصر الداوديّ : وعن ابن جريج : (مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ) قال : «إنهما وسواسان ، فوسواس من الجنّة ، ووسواس من نفس الإنسان» انتهى ، وفي الحديث الصحيح ، أنّ
__________________
(١) ينظر : «الأذكار» ص : (١٦١)