قال* ع (١) * : وهذا يرجّحه قول الكفرة (ما أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا) فإنها محاورة إنما تقال لمن ادّعى الرسالة من الله تعالى ، والآخر محتمل ، وذكر المفسرون في قصص الآية أشياء يطول ذكرها والصحة فيها غير متيقّنة ، فاختصرته واللّازم من الآية أنّ الله تعالى بعث إليها رسولين ، فدعيا أهل القرية إلى عبادة الله وتوحيده ، فكذّبوهما فشدّد الله أمرهما بثالث ، وقامت الحجة على أهل القرية ، وآمن منهم الرجل الذي جاء يسعى ، وقتلوه في آخر أمره وكفروا ، وأصابتهم صيحة من السّماء فخمدوا ، وقرأ الجمهور (٢) : «فعزّزنا» بشدّ الزاي ، على معنى : قوّينا ، وشدّدنا ؛ وبهذا فسّره مجاهد وغيره (٣) ، وهذه الأمة أنكرت النبوّات بقولها : (وَما أَنْزَلَ الرَّحْمنُ مِنْ شَيْءٍ) قال بعض المتأولين : لما كذّب أهل القرية المرسلين أسرع فيهم الجذام.
وقال مقاتل : احتبس عنهم المطر ؛ فلذلك قالوا : (إِنَّا تَطَيَّرْنا بِكُمْ) (٤) ، أي : تشاءمنا بكم ، والأظهر أن تطيّر هؤلاء إنّما كان بسبب ما دخل قريتهم من اختلاف كلمتهم وافتتان النّاس.
وقوله : (أَإِنْ ذُكِّرْتُمْ) جوابه محذوف ، أي : تطيّرتم ، قاله أبو حيان (٥) وغيره ، انتهى ، وقولهم ـ عليهمالسلام ـ : (طائِرُكُمْ مَعَكُمْ) ، معناه : حظّكم وما صار لكم من خير وشرّ معكم أي : من أفعالكم ومن تكسّباتكم ، ليس هو من أجلنا ، وقرأ حمزة والكسائيّ وابن عامر : «أإن ذكّرتم» بهمزتين (٦) ؛ الثانية مكسورة. وقرأ نافع وغيره بتسهيل الثانية ، وردّها ياء : «أين ذكّرتم». وأخبر تعالى عن حال رجل جاء من أقصى المدينة يسعى ؛ سمع المرسلين وفهم عن الله تعالى ، فدعا عند ذلك قومه إلى اتّباعهم والإيمان بهم ، إذ هو
__________________
(١) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٤٩)
(٢) ينظر : «المحرر الوجيز» (٤ / ٤٤٩) ، و «البحر المحيط» (٧ / ٣١٣) ، و «الدر المصون» (٥ / ٤٧٧).
وقد قرأ أبو بكر بالتخفيف ، وقرأ بها الحسن ، وأبو حيوة ، وأبان ، والمفضل.
ينظر : «السبعة» (٥٣٩) ، و «الحجة» (٦ / ٣٨) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢٣٠) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٠٤) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١٦٦) ، و «العنوان» (١٥٩) ، و «حجة القراءات» (٥٩٧) ، و «شرح شعلة» (٥٥٧) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٩٨)
(٣) أخرجه الطبري في «تفسيره» (١٠ / ٤٣١) برقم : (٢٩٠٨٥) ، وذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٩)
(٤) ذكره ابن عطية في «تفسيره» (٤ / ٤٤٩) ، وذكره البغوي في «تفسيره» (٤ / ٩) ، ولم يعزه لأحد.
(٥) ينظر : «البحر المحيط» (٧ / ٣١٤)
(٦) وقرأها هكذا حفص ، وقرأها المفضل مثل قراءة نافع ، يعني بتسهيل الهمزة الثانية.
ينظر : «السبعة» (٥٤٠) ، و «الحجة» (٦ / ٣٨) ، و «إعراب القراءات» (٢ / ٢٣٠) ، و «معاني القراءات» (٢ / ٣٠٦) ، و «شرح الطيبة» (٥ / ١٦٧) ، و «العنوان» (١٥٩) ، و «إتحاف» (٢ / ٣٩٨)