أقول : أمثال هذه الرواية التي تدلّ على شرف المؤمن على غيره كثيرة ، فإنّ آثار حسنات المؤمن تظهر في جميع العوالم ـ الدنيا وعالم البرزخ ويوم الجزاء ـ بل قد تؤثّر في الأعقاب أيضا لمكان إيمانه ، بخلاف الكافر ، فإنّ آثار حسناته إما تظهر في الدنيا فقط ، أو في عالم البرزخ ـ كما في بعض الروايات ـ وأما في عالم الآخرة فإنّ حسناته لا تمنعه عن الدخول في النّار ، لاختياره الكفر في هذه الدنيا ، والمراد من النفي الوارد فيها ذلك. وقد توجب التخفيف عن العذاب ، وهو في النّار ولا يخرج منه أبدا.
وفي الدرّ المنثور أيضا في تفسير الآية المباركة : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها) عن ابن مسعود قال : «يؤتى بالعبد يوم القيامة فينادي مناد على رؤوس الأوّلين والآخرين : هذا فلان بن فلان ، من كان له حقّ فليأت إلى حقّه ، فيفرح والله المرء أن يدور له الحقّ على والده أو ولده أو زوجته ، فيأخذه منه وإن كان صغيرا ، ومصداق ذلك في كتاب الله : (فَإِذا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلا أَنْسابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلا يَتَساءَلُونَ) ، فيقال له : ائت هؤلاء حقوقهم ، فيقول : أي ربّ ومن أين وقد ذهبت الدنيا؟ فيقول الله لملائكته : انظروا أعماله الصالحة وأعطوهم منها.
فإن بقي مثقال ذرّة من حسنة قالت الملائكة : يا ربّنا أعطينا كلّ ذي حقّ حقّه وبقي له مثقال ذرّة من حسنة ، فيقول للملائكة : ضعفوها لعبدي وأدخلوه بفضل رحمتي الجنّة ، ومصداق ذلك في كتاب الله : (إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها وَيُؤْتِ مِنْ لَدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً) ، أي : الجنّة يعطيها. وإن فنيت حسناته وبقيت سيئاته قالت الملائكة : إلهنا فنيت حسناته وبقي طالبون كثيرون ، فيقول الله : ضعفوا عليه من أوزارهم واكتبوا له كتابا إلى النّار».
أقول : أمثال هذه الرواية كثيرة بين الفريقين ، وأنّها تدلّ على امور :
الأوّل : أنّ الحقّ المذكور فيها من الحقوق الخلقيّة ، سواء كان من قسم