منها تدلّ على مرتبة معينة للإيمان الصحيح الحقيقيّ الواقعيّ ، مقابل الإيمان الكاذب المزعوم. وهي :
العلامة الاولى : تحكيم الرسول في ما شجر بينهم. والتحكيم جعل فرد حاكما أو حكما وتفويض الأمر إليه وقبول حكمه. ومادة [شجر] تدلّ على الاختلاط والتداخل ، فمنها الشجار ـ ككتاب ـ وهو خشب الهودج لاشتباك بعضه مع بعض ، والشجر لاشتجار أغصانه وتداخلها ، والتشاجر والمشاجرة في الدعاوي والأقوال لاختلاط بعضها مع بعض.
وشجر في الآية الشريفة مأخوذ من الشجر ـ بسكون الجيم ـ والشجور وهو الاختلاف والتنازع.
والمعنى : أنّهم لا يؤمنون أبدا وإن زعموا الإيمان حتّى يحكّموك في القضايا التي يختصمون فيها ويتشاجرون ويتنازعون ، فتحكم فيهم بشريعة الله تعالى ، فهذه اولى درجات الإيمان الحقيقيّ ، وهي العلامة الظاهرة ، فإنّ تلك القضايا التنازعيّة يكشف عن مخالفة هوى النفس.
قوله تعالى : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ)
هذه هي العلامة الثانية ، وهي عدم تحرّج المؤمنون حقّا عن تنفيذ حكم الرسول ، لا سيما إذا خالف هوى النفس وإذعان نفوسهم بقضائه وحكمه ؛ لأنّهم يؤمنون بأنّ الرسول صلىاللهعليهوآله يحكم بشريعة الله تعالى ، لرسوله صلىاللهعليهوآله : (لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللهُ) [سورة النساء ، الآية ١٠٥].
وهذه العلامة تكشف عن إيمان القلب الذي لا يعلم حقيقته إلا الله تعالى ، ومن هنا جاء العطف بين العلامتين ب (ثم) ، والمراد بقوله تعالى : (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ) ، هو انشراح صدورهم لحكم الرسول ، الذي هو حكم الله تعالى ، وهو أبلغ من نفي الحرج كما لا يخفى.