وجه ، لا لبس ولا إجمال فيه ، فكانت الطاعة في نظر القرآن الكريم هي الرجوع إلى الرسول وتحكيمه في موارد التنازع والتشاجر ، وقبول حكمه برضاء واطمينان لا اعتراض فيه ، والتسليم لله تعالى ولرسوله في جميع الأمور ، فكانت هذه الآية الشريفة من الآيات المعدودة التي نزلت في بيان هذا الأمر المهمّ ، الذي لم يرسل الرسل إلا لأجله ، وبها ينتظم نظاما التشريع والتكوين ؛ لأنّ التشريع له الدخل الكبير في التكوين ، كما تقدّم.
الثاني : يدلّ قوله تعالى : (بِإِذْنِ اللهِ) على أنّ طاعة الرسل إنّما تكون إفاضية من قبل الله تعالى وبإيجاب منه عزّوجلّ ، فتكون طاعتهم في الحقيقة طاعة الله عزوجل ، فمن خرج عن طاعتهم ورغب عن حكمهم كان خارجا عن حكم الله تعالى وطاعته عزوجل ، فلهذه الكلمة الشريفة الوقع الكبير في هذا الموضع ، فإنّها ترشد الناس إلى أمر مهمّ وهو طاعة الرسل والأنبياء ، وأنّها ليست من الأمور الدنيويّة الدائرة في الاجتماع الإنسانيّ ، يمنحها المجتمع أو شخص معين ـ سواء أكان رئيسا أم غيره ـ لأحد جهلا بالمقادير ، فمتى أراد سلبها عنه ونزعها منه ، بل الطاعة المفترضة على الناس للأنبياء من الأمور التشريعيّة المهمّة التي تكون تحت سلطانه وإرادته وإذنه تعالى ، ولم يمنحها لأحد إلا مع العلم والحكمة المتعالية.
الثالث : يدلّ قوله تعالى : (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللهِ) على عصمة الرسل ؛ لأنّ الله تعالى فرض طاعتهم على جميع الناس مطلقا من غير شرط ، فلو جاز أن يأتوا بمعصية لوجب علينا طاعتهم ، فتكون واجبة علينا ، والمفروض أنّها محرّمة يجب تركها ، فيلزم تخصيص الآية الشريفة ، والمفروض خلاف ذلك ، فتدلّ على أنّهم معصومون لم يرتكبوا محرّما إليها ، فتكون أفعالهم وأقوالهم وسيرتهم حجّة علينا ، وتجب علينا طاعتهم فيها.
فهذه الآية المباركة من الأدلّة الدالّة على عصمة الأنبياء عليهمالسلام ، التي كثر