فَاسْتَغْفَرُوا اللهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ) ، فإنّ الإعراض عن الرسول صلىاللهعليهوآله لم يكن ظلما للنفس فقط ، بل كان فيه إيذاء له وغصب لحقّه صلىاللهعليهوآله ، فاستوجب الرجوع إليه وإظهار التوبة لديه ، وطلب المغفرة منه.
وفي نفس الوقت كانت الآية الشريفة من موارد تطبيق التحاكم إليه ، ويدلّ على ذلك الإظهار في موضع المضمر ، ولم يقل : (استغفرت لهم) ونحو ذلك.
ويستفاد من الآية المباركة أدب الدعاء ، وهو أنّ دعاء الجمع أقرب إلى الاستجابة ، بل أنّ ظاهر الآية الكريمة يدلّ على لزوم الرجوع إلى واسطة الفيض وأولياء الله تعالى والتوسّل بهم في نجح طلباتهم ومقاصدهم عند الله تعالى ، فإنّ مقام قربهم عنده عزوجل وحظوتهم لديه جلّ شأنه ممّا يساعد على استجابة الدعاء ، وليس ذلك من الشرك كما يدّعيه بعض الجاهلين ، فأين الشرك من التوسّل بمن أذن له الله تعالى في الشفاعة ، وجعله شفيعا عنده في نجح المقصود والوصول إلى المطلوب؟!!
وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام في ذلك إن شاء الله تعالى.
السادس : يدلّ قوله تعالى : (لَوَجَدُوا اللهَ تَوَّاباً رَحِيماً) ، على أنّ التوسّل بالرسول صلىاللهعليهوآله وجعله شفيعا عند الله تعالى ودعائه صلىاللهعليهوآله ، سبب تامّ لاستجابة الدعاء وعدم ردّ شفاعته ووجدان المقصود ، ولكن لا بد أن يكون التوسّل بإخلاص ومعرفة ، وتكون الحاجة التي يطلب فيها الشفاعة من الأمور الراجحة شرعا ، وإلا فليس كلّ توسّل يؤثّر الأثر المطلوب ، كما نراه بالوجدان.
السابع : يدلّ قوله تعالى : (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ) ، على أنّ الحدّ الفاصل بين الإيمان والكفر والنفاق ، هو الرجوع إلى طاعة الرسول لتحكيمه وقبول حكمه وقضائه ، وتسليم الأمر إلى الله تعالى تسليما تامّا والانقياد له ولرسوله ، فتكون الآية الشريفة ردّا لمزاعم المنافقين واليهود وغيرهم في الإيمان ، وحكمها عامّ يشمل جميع الأعصار ، وتدلّ الآية المباركة على عصمة الرسول من