والآية المباركة ردّ على تلك العادات والتقاليد التي ميّزت أفراد الإنسان على حسب الطبقات ، وجعلوا طبقة العبيد والإماء من أخسّ الطبقات وأرذلها ، ممّا أوجب الابتعاد عنهم والانقباض عن مخالطتهم ، لا سيما الازدواج بهم ، فكان لهذا التعليم الإلهي والتربية الربانيّة أعمق الأثر في نفوس المؤمنين في ترك ما خلّفته الجاهلية البغيضة من سوء الأخلاق وسفاسف الأمور.
والآية الشريفة من الآيات المعدودة التي وردت في تهذيب الإنسان وتربيته تربية صالحة ، بردّه إلى فطرته ، وبيّنت أن أساس الكمال والرفعة هو الإيمان واتباع الشريعة بعد تساوي الجميع في شؤون الإنسانيّة ، وأن الإيمان يشدّ بعضهم ببعض ، ويربطهم بخالقهم ويسعدهم في حياتهم ، بعد كونهم متساوين من جهة الإنسانيّة ، فلا موجب بعد ذلك للنفرة من الإماء والابتعاد عنهن ، ولا ينبغي للمؤمن أن يصغي إلى الأوهام الباطلة والعادات السيئة ، فتبعده عن الحقائق التي تجلب السعادة والفوز بالفلاح. والآية الكريمة في مقام التأليف بين الناس وعطف بعضهم مع بعض.
قوله تعالى : (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَ).
شرط آخر من شروط نكاح الإماء ، وهو أن يكون نكاحهن بطيب نفس أهلهن ، وذكر الإذن إنّما هو من باب الطريقيّة لإحراز طيب النفس.
والمراد بالأهل الموالي ، وإنّما عبّر عزوجل به لبيان أنّ الفتاة واحدة من أهل بيت مولاها ، فيكون مثل قوله تعالى : (بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) ؛ لرفع الحزازة والمنقصة من نكاحهن ؛ ولبّث التأليف بين القلوب.
والآية المباركة تدلّ بمفهومها على حرمة نكاح المملوكة بدون إذن أهلها ، وتدلّ عليه السنّة الشريفة أيضا ، ففي الحديث الشريف عنه صلىاللهعليهوآله : «لا يحلّ مال امرئ مسلم إلا بطيب نفسه».
وعن الصادق عليهالسلام : «لو تزوّج الرجل بالأمة بغير علم أهلها ، فهو زنا» ، والإطلاق في المنطوق والمفهوم يشمل النكاح الدائم والمنقطع.