تعالى وحوّلهم من الصراط المستقيم والفطرة المستقيمة الّتي تدعو إلى تكميل النفوس والثبات على الحقّ.
وهذه الآية الشريفة تدلّ على أنّ الله تعالى صرف الهداية عنهم ؛ لأجل اختيارهم الكفر واقترافهم السيئات.
قوله تعالى : (فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ).
إرشاد إلى المؤمنين بالبراءة منهم ، وعدم اتّخاذهم أولياء في الخلّة والصداقة وإلقاء المودّة ، بعد ما عرفتم نفسياتهم من الوداد للكفر والنفاق حتّى يؤمنوا إيمانا صحيحا بالهجرة في سبيل الله تعالى.
والمراد من الهجرة الأعمّ من ترك المعاصي والنفاق ونبذ الأهل والأوطان ؛ لأنّها على أقسام ، أهمّها الهجرة عمّا يوجب سخط الله تعالى والدخول في ما يرضيه ، وهي هجرة الأنبياء والأولياء عليهمالسلام والصالحين ، ففي الحديث : «المهاجر من هجر ما نهى الله عنه» ، وهي على مراتب متفاوتة ودرجات مختلفة. ومثل هذه الهجرة واجبة بظاهر الآية الشريفة ، وإن كانت الهجرة من دار الكفر إلى دار الإيمان متوقّفة على تحقّق شروطها المذكورة في كتب الفقه.
وقد تضمّنت الآية المباركة أهمّ حكم تربوي إصلاحي يعالج به الفئات الضالّة في داخل المجتمع ، فإنّ البراءة منهم وترك اتّخاذهم أولياء ، أو بالأحرى هجرة أهل الإيمان عن أهل النفاق ، لها الأثر النفسي الكبير في إصلاح نفوسهم المريضة المضلّة ، وترويضها على قبول الحقّ ؛ ولذا كانت البراءة منهم مقدّمة على هجرة أهل النفاق ، فإنّها بدون البراءة لا يكون لها ذلك الأثر الكبير في إصلاح النفوس ، فلا بد وأن يكون الإرشاد والتوجيه على طبق ما ورد في الآية الشريفة ؛ ليرجى منه الخير والصلاح والرشاد.