بمكّة حتّى أخرج منها ، فإنّي أخاف أن أموت فيها ، فخرجوا يحملونه على سرير حتّى إذا بلغ التنعيم مات ، فنزلت الآية».
أقول : ذكر الواقدي في أسباب النزول أنّ المهاجر كان حبيب بن حمزة ، والسيوطي في الدرّ المنثور : جندع بن حمزة أو رجل من بني ليث أو أكثم.
وكيف كان ، فالمورد إمّا من باب التعدّد في القضية ، أو اختلاف الاسم ، فمهما كان فما ورد في تلك الروايات إنّما هو من باب التطبيق والجري ، لا التخصيص.
وفي الدرّ المنثور عن ابن زيد قال : «هاجر رجل من بني كنانة يريد النبيّ صلىاللهعليهوآله فمات في الطريق فسخر به قوم واستهزءوا به ، وقالوا : لا هو بلغ الّذي يريد ، ولا هو أقام في أهله يقومون عليه ويدفن ، فنزل القرآن : (وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهاجِراً إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللهِ)».
أقول : الرواية إمّا من باب التطبيق ، أو من باب تعدّد النزول ، ولا إشكال فيه كما تقدّم. وهناك روايات أخرى متّفقة المضامين ومختلفة التعابير ، كلّها تدلّ على أنّ الهجرة هي الحجّة البالغة للإنسان ، سواء وصل إلى الرسول صلىاللهعليهوآله أو لم يصل ، وسواء خرج معه صلىاللهعليهوآله الى الجهاد أو لم يخرج ، فقد روي عنه صلىاللهعليهوآله : «أنّه لما رجع من غزوة تبوك ودنا من المدينة قال : إنّ في المدينة لأقواما ما سرتم من مسير ولا قطعتم من واد إلّا كانوا معكم ، قالوا : يا رسول الله وهم بالمدينة! قال : نعم وهم بالمدينة حبسهم حابس العذر. وهم الّذين صحّت نياتهم وتعلّقت قلوبهم بالجهاد ، وإنّما منعهم عنه الضرر».
وفي تفسير العياشي عن أبي الصباح قال : «قلت لأبي عبد الله عليهالسلام : ما تقول في رجل دعي إلى هذا الأمر فعرفه وهو في أرض منقطعة ، إذ جاءه موت الإمام عليهالسلام ، فبينما هو ينظر إذ جاءه الموت ، فقال : هو والله بمنزلة من هاجر إلى الله ورسوله فمات ، فقد وقع أجره على الله».
أقول : الرواية تدلّ على ما ذكرناه كما مرّ ، وهي مطابقة لما دلّ من أنّ الناس يحشرون حسب نياتهم.