عليه ، كان مظنة لأنّ يخطر ببالهم أنّ عليهم نقصانا في السفر ، فنفي عنه الجناح لتطيب به نفوسهم ، وقد ذكرنا ما يتعلّق بهذا التعبير في آية الطواف أيضا فراجع.
وإرادة الوجوب بهذا التعبير من أسمى لغة الفصاحة والبلاغة الّتي يمتاز بها القرآن الكريم. ويدلّ على ذلك صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم قالا : «قلنا لأبي جعفر عليهالسلام : ما تقول في الصلاة في السفر ، كيف هي؟ وكم هي؟ فقال : إنّ الله عزوجل يقول : (وَإِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ) ، فصار التقصير في السفر واجبا كوجوب التمام في الحضر ، قالا : قلنا إنّما قال الله تعالى : (فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ) ولم يقل افعلوا ، فكيف أوجب ذلك كما أوجب التمام في الحضر؟! فقال عليهالسلام : أو ليس قد قال : (إِنَّ الصَّفا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما) ألا ترون أنّ الطواف بهما واجب مفروض ؛ لأنّ الله عزوجل ذكره في كتابه ، وصنعه نبيّه صلىاللهعليهوآله ، وكذا التقصير في السفر صنعه النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وذكره الله في كتابه ، قالا : قلنا : فمن صلّى من الصلاة أربعا ، أيعيد أم لا؟ قال عليهالسلام : إن كان قد قرأت عليه آية التقصير وفسّرت له فصلّى أربعا أعاد ، وإن لم يكن قرئت عليه ولم يعلمها فلا إعادة عليه ، والصلاة كلّها في السفر الفريضة ركعتان كلّ صلاة إلّا المغرب ، فإنّها ثلاث ليس فيها تقصير ، تركها رسول الله صلىاللهعليهوآله في السفر والحضر ، ثلاث ركعات ـ الحديث ـ» ، إلى غير ذلك من الأخبار الّتي وردت في هذا المضمون الدالّة على الوجوب ، ومقتضاها كون التقصير في صلاة السفر لو تحقّقت شروطه عزيمة لا رخصة ، فلا يجزيه الإتمام ، وممّا ذكرنا يعلم فساد جملة ممّا ذكروه في المقام ، وسيأتي في البحث الفقهي تتمة الكلام إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا).
الفتنة : هي الاختبار بالمكروه والأذى ، وفي الحديث : «انّكم تفتنون في القبور» ، أي : تمتحنون وتختبرون ، ويراد بها مسألة المنكر والنكير ، وعنه صلىاللهعليهوآله :