النبيّ صلىاللهعليهوآله فقالوا : يا نبي الله ، كنّا في عزّ ونحن مشركون ، فلما آمنّا صرنا أذلّة ، فقال : إنّي أمرت بالعفو ، فلا تقاتلوا القوم ، فلما حوّله الله إلى المدينة أمره الله بالقتال فكفّوا ، فأنزل الله تعالى : (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ)».
أقول : المراد من العزّة ـ في حال الشرك وحالة البعد عن الصفات الحسنة كما قاله ابن عوف ـ هي العزّة الوهميّة ، لا العزّة الواقعيّة الدائميّة ؛ لأنّ العزّة كذلك لا تكون إلّا بالإسلام ، والذلّة في حال الإسلام ، أي : الذلّة في الشعور والخيال ، ولعلّ عفو رسول الله صلىاللهعليهوآله كان لمقالة ابن عوف.
وكيف كان ، فالرواية من باب التطبيق لا التخصيص.
وفي الدرّ المنثور عن قتادة قال : «كان أناس من أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله وهم يومئذ بمكّة قبل الهجرة يسارعون إلى القتال ، فقالوا للنبيّ صلىاللهعليهوآله : ذرنا نتّخذ معاول فنقاتل بها المشركين ـ وذكر لنا عبد الرحمن بن عوف ـ كان فيمن قال ذلك ـ فنهاهم نبيّ الله صلىاللهعليهوآله عن ذلك قال : لم أومر بذلك ، فلما كانت الهجرة وأمروا بالقتال ، كره القوم ذلك وصنعوا فيه ما تسمعون ، قال الله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ لِمَنِ اتَّقى وَلا تُظْلَمُونَ فَتِيلاً)».
أقول : يستفاد منها أنّ إصرارهم على القتال في مكّة كان لأجل الغنيمة الدنيويّة ، ولم يكن لوجه الله عزوجل.
وفيه ـ أيضا ـ : عن هشام قال : «قرأ الحسن : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ) قال :
رحم الله عبدا صحبها على ذلك ، ما الدنيا كلّها من أوّلها إلى آخرها إلّا كرجل نام نومة فرأى في منامه بعض ما يحبّ ، ثمّ انتبه فلم ير شيئا».
أقول : هو مأخوذ من قول نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «الناس نيام إذا ماتوا انتبهوا».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ميمون بن مهران ، قال : «الدنيا قليل ، وقد مضى أكثر القليل وبقي قليل من قليل».