عقائديّا وعمليّا ونفسيّا ، فلا غرض له إلّا بسط العدل وإقامة الحقّ ، وتثبيت كلمة الله تعالى وابتغاء رضاه عزوجل.
قوله تعالى : (وَلَوْ عَلى أَنْفُسِكُمْ أَوِ الْوالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ).
أي : كونوا شهداء لوجه الله تعالى وابتغاء مرضاته ، ولو كانت الشهادة فيها ضرر على أنفسكم أو الوالدين والأقربين ، فلا يحملنكم حبّ هؤلاء كتمان الواقع والشهادة على خلاف الحقّ ، فإنّه ليس من البرّ للوالدين ولا هو من صلة الأرحام إيقاعهم في الضرر والهلاك بكتمان الحقّ عليهم.
وإنّما ذكر عزوجل المذكورين ، لأنّهم أوثق الصلة بالنفس ومن أهمّ ما يمكن أن يكون سببا لإعراض الإنسان عن حاسة العدل والابتعاد عن الحقّ.
وإنّما عطف الوالدين ب (أو) لأنّه مقابل الأنفس ، بخلاف الأقربين ، فإنّه لا مقابلة بينهما فعطف بالواو.
ومعنى الآية الكريمة واضح أي : أنّ الشهادة لا بدّ أن تكون بالقسط وفي الحقّ ولو أدّت إلى ضرر بحاله أو بحال والديه والأقربين ، بلا فرق بين أن يكون المتضرّر هو الشاهد ـ أو المشهود عليه بلا واسطة أو معها ـ كما لو تخاصم اثنان وكان الشاهد متحملا لأحدهما ، بحيث لو أدّى الشهادة لتضرّر به نفس الشاهد أيضا كالمتخاصم الآخر.
قوله تعالى : (إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيراً).
تحذير آخر من وقوع الميل عن الحقّ والزيغ في الشهادة ، وتأكيد على عدم جعل المصالح هي الهدف في الشهادة ، فإنّ العدل هو الميزان الثابت الّذي لا يتغيّر ولا يتبدّل ، فلا الغنى ولا الفقر ولا شيء آخر من المصالح لها دخل في ميزانه ، فلا بدّ أن تكون الشهادة لله تعالى وأنّ رضاه عزوجل أحقّ أن يتّبع ، فلا يحملنكم غنى الغني أن تميلوا عن الحقّ طمعا في برّه وطلبا لرضاه أو خوفا من شرّه.
وبعبارة أخرى : لا تكون ممالأة ذوي الجاه والسلطان والمال والنفوذ للحصول على مصلحة منهم داعية لترك الشهادة أو إقامتها على غير العدل ،