ولأجل تلك الأفاعيل المنكرة وظلمهم وصدّهم عن سبيل الله تعالى وغيرها ، أنّه جلّ شأنه حرّم عليهم الطيبات وأعدّ لهم عذابا أليما جزاء لذنوبهم ، فإنّها آيات عظيمة تبيّن حقيقة هذه الطائفة المعاندة للحقّ بعد ما بيّن حقيقة الطائفة الاخرى وهم المنافقون ، ويبيّن عزوجل فيها أصل الإيمان وحقيقته ، وتذكّر المؤمنين بوعده الحقّ وأجرهم العظيم.
ولا يخفى ارتباط هذه الآيات الكريمة بما سبقتها ، فإنّها جميعا تبيّن تلك الحقيقة وتذكّر المؤمنين بأعدائهم وترشدهم الى نواياهم وخصالهم الذميمة ، حتّى يأخذوا الحذر منهم ومن مكائدهم وخداعهم.
التفسير
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللهِ وَرُسُلِهِ).
بيان لحقيقة الإيمان المطلوب المبني على أصلين لا يمكن التفكيك بينهما في الاعتقاد ، وهما العمودان وسائر الأمور المطلوبة في الإيمان الواقعي ترجع إليهما وتعتمد عليهما.
وهما : الإيمان بالله العظيم ، والإيمان بالرسل ، فإذا تحقّق الأوّل من دون الثاني يكون إيمانا ادّعائيا ، وفي نظر القرآن كفرا وإن لم يكن كذلك في نظرهم.
والآيات المباركة تشير الى طوائف متعدّدة ، فمنهم : من آمن بالله تعالى وكفر برسله أجمعين ، زعما منهم بأنّ العقل يكفي لهداية البشر ، أو لإنكارهم الوحي وأنّ ما جاء به الأنبياء والرسل إنّما كان من عند أنفسهم.
ومنهم : من آمن بالله تعالى وكفر ببعض الرسل ، وهم أهل الكتاب الّذين يؤمنون بالله ويفرّقون بين الرسل. فترى اليهود أنّهم يؤمنون بموسى عليهالسلام ويكفرون برسالة عيسى ويحيى عليهماالسلام ، كما أنّ النصارى تؤمن بموسى وعيسى عليهماالسلام وتكفر