ومن الآية الكريمة الأخيرة يظهر الفرق بين الوعدين ، الوعد الّذي ذكر في المقام وهو إعطاء أجورهم على أصل الإيمان ، والوعد الّذي ذكر في الآية الشريفة على كمال الإيمان وهو المغفرة والدرجات والرزق الكريم جزاء لصالح أعمالهم.
قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ).
بعد أنّ بيّن عزوجل حقيقة مذهبهم وأنّه كفر محض لتفرّقهم بين الله ورسله ، حيث آمنوا ببعض دون البعض الآخر ، ففي هذه الآيات الشريفة يؤكّد تعالى ذلك ببيان جرائمهم وظلمهم ويعدّد عليهم أفعالهم الشنيعة وعنادهم للحقّ وجحودهم له ، وخصّ بالذكر اليهود الّذين لقى الرسول الكريم ودينه الحقّ والمؤمنون منهم الأذى والعناد واللجاج في أشدّ وجوهها.
والمراد من أهل الكتاب هم الّذين فرّقوا بين الرسل وهم اليهود والنصارى كما عرفت ، وهم المراد أيضا في القرآن الكريم حيث أطلق أهل الكتاب إلّا إذا كانت قرينة على التخصيص ، والسؤال إنّما وقع من كلتا الطائفتين ـ تحكّما ومجازفة وعلى سبيل التعنت والتعجيز ـ لا يقصد الحجّة والبرهان ، لأنّهم عرفوا منزلة القرآن في الهداية ونفوس المؤمنين ، وكانوا يعلمون أنّ كتاب محمّد صلىاللهعليهوآله لا ينزل دفعة واحدة وإنّما ينزل نجوما متفرقة إلّا أنّهم لم يعدونه كتابا سماويا ، ولا كانوا يؤمنون به دليلا على نبوّته صلىاللهعليهوآله جحودا واستكبارا منهم للحقّ ، فاقترحوا جزافا على الرسول العظيم صلىاللهعليهوآله أن ينزل عليهم كتابا محرّرا بخط سماوي ، وأن يكون جملة واحدة.
واختلف المفسّرون في هذا الكتاب المقترح ، فمنهم من قال : كتاب يحتوي على شريعة هذا النبي صلىاللهعليهوآله جملة واحدة ، كالألواح الّتي نزلت على موسى عليهالسلام.
وقيل : إنّه كتاب يشهد بأنّك رسول الله صلىاللهعليهوآله.
وقيل : إنّه كتاب ينزّل باسم جماعتهم أو الى فرد معين من أحبارهم ، أو بأسماء من اقترحوا على الرسول صلىاللهعليهوآله ذلك.