قوله تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً).
جواب عن مسألتهم تتبيّن فيه حقيقتان :
الاولى : أنّهم قوم متمادون في الجحود ومنغمسون في الجهالة والضلالة ، ينكرون الحقّ وإن جاءتهم البينة ، عرفوا بنقض العهود والمواثيق واشتهروا بالكذب والبهتان ، فمن كان هذا حاله لا يعتنى بمقترحاته ولا يجاب عن اسئلته ، ومن هنا عدّد عزوجل مظالمهم وموارد جحودهم على الحقّ وتمرّدهم على الله تعالى وأنبيائه العظام ؛ لمعرفة تلك المفاسد الأخلاقيّة وذلك الجحود والتمرّد على الحقّ.
الثانية : أنّ الله تعالى أنزل القرآن مع التحدّي ، ومقارنا مع الشهادة منه عزوجل ومن ملائكته على صدقه وواقعيته ، فكلّ مقترح في إنزال كتاب آخر غيره يكون كذبا ومقترحة (بالكسر) كاذب وجاحد للحقّ ، وقد تكفّلت هذه الجهة آيات التحدّي الّتي وردت في مواضع متعدّدة من القرآن الكريم كما في سورة الإسراء ويونس وهود والبقرة ، وكذلك الآيات المباركة الّتي تدلّ على صدق القرآن وشهادته عزوجل عنه.
وأمّا الآيات الكريمة في المقام فقد تكفّلت لبيان الجهة الاولى ، فذكر عزوجل في ردّهم أنّهم سألوا موسى عليهالسلام أكبر ممّا سألوا الرسول صلىاللهعليهوآله من تنزيل كتاب من السماء ، فقالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) ، أي : واضحا نعاينه بأبصارنا ، وهذا السؤال يدلّ على غاية الجهل والطغيان والعناد ، فكان أكبر من سؤال إنزال الكتاب ؛ لأنّه يدلّ على العناد واللجاج فقط.
وسؤال الرؤية وإن كان من أسلافهم إلّا أنّ الخلف لما كانوا على طريقة السلف وسيرتهم وهم جميعا في الأخلاق والصفات سواء ، فكلّ ما فعله السلف يسند الى الخلف أيضا ، وقد أسند في القرآن الكريم أفعال السلف الى الخلف في نحو ألف موضع ، وهو يدلّ على كمال الاتحاد بينهم ، قال تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْناكُمْ مِنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ يُذَبِّحُونَ أَبْناءَكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِساءَكُمْ) [سورة] [البقرة ، الآية : ٤٩] ، وقال تعالى : (وَإِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللهَ