وكذلك لا يكون فقر الفقير صارفا عن الحقّ وموجبا لترك الشهادة له ، تهاونا به أو عليه رحمة به.
قوله تعالى : (فَاللهُ أَوْلى بِهِما).
أي : أنّ إقامة الشهادة بالحقّ هي الّتي خير للشاهد والمشهود له أو المشهود عليه ، بلا فرق بين أن يكونا غنيين أو فقيرين أو مختلفين ، وأنّ القسط هو المطلوب في الشهادة ، والله تعالى أولى بالاتباع من الغني والفقير ؛ لأنّه أعلم بمصلحتهما وأرحم بهما وانظر لهما ، وقد شرّع سبحانه وتعالى من الأحكام ما يرجع نفعه ويعود خيره للجميع.
وضمير التثنية يرجع إلى الغني والفقير. و (أو) في الآية الكريمة يدلّ على الترديد والإبهام وهو يرجع إلى ما يمكن أن يتحقّق أو يفرض من الأفراد ، والأقسام هي كثيرة ، فإنّ الشهادة تعمّ الشهادة للمشهود له أو عليه ، وكلّ واحد منهما قد يكون غنيا والآخر فقيرا ، وقد يكون بالعكس ، وقد يكونان فقيرين ، وقد يكونان غنيين ، وعدم ذكر الأقسام أوجب مجيء (أو) ليرجع إلى المذكور المتعدّد. وبعبارة اخرى أنّ ضمير التثنية يرجع إلى المشهود له أو عليه بأي وصف كان عليه.
وذكر الرضي أنّ الضمير الراجع إلى المذكور المتعدّد الّذي عطف بعضه على بعض ب (أو) ، يجوز أن يوحد وأن يطابق المتعدّد ، وذلك يدور على القصد ، ويمكن ارجاعه إلى ما ذكرنا ، فإنّ المقام يستدعي الإبهام والترديد ليشمل جميع حالات الفقير والغني.
وقيل في وجه تثنية الضمير امور اخرى ، والحقّ ما ذكرناه.
قوله تعالى : (فَلا تَتَّبِعُوا الْهَوى).
بيان للسبب الّذي يوجب الميل عن الحقّ والإعراض عن العدل والزيغ في الشهادة ، وهو اتّباع الهوى بجميع أنواعه وصوره ، من مراعاة صداقة أو عداوة أو عصبية ، أو انتهاز فرصة أو غنيمة أو ممالأة ذوي الجاه والسلطان والنفوذ ونحو