أحوالهم وتشتّت شملهم وذهب ريحهم وقوتهم ، فكلّ ما حلّ بهم من البلاء إنّما كان بسبب عصيانهم لله تعالى ونقضهم المواثيق وكفرهم.
قوله تعالى : (وَكُفْرِهِمْ بِآياتِ اللهِ).
المراد من كفرهم : مطلق أنواع الكفر الّذي صدر منهم بعد ظهور الحجج الواضحة الدالّة على صدق ما كفروا به ، وقد ذكر عزوجل بعضا منها في ما سبق وبعضها في ما سيأتي ، فمنها : كفرهم بأنّه منزّه عن شائبة الجسميّة ، حيث طلبوا رؤيته كما حكى عزوجل في صدر الآية الكريمة.
ومنها : كفرهم باتّخاذهم العجل معبودا.
ومنها : إنكارهم للمعجزات الّتي صدرت من الأنبياء.
ومنها : كفرهم بقتلهم الأنبياء بغير حقّ ، وكفرهم بإنكار نبوّة بعض الأنبياء.
وإنّما قدّم عزوجل نقض المواثيق في المقام مع أنّ الكفر كان مقدّما في الذكر آنفا ؛ لأنّ في هذه الآيات الكريمة تتعرّض للجزاء الّذي يترتّب على أعمالهم بعد ما استجابوا للحقّ وآمنوا بالله تعالى ، وبعد ما أخذ منهم المواثيق ، فكان ذكرها أنسب مع أنّ نقض المواثيق في كلّ دين يوجب الكفر ، فيكون من قبيل المعدّ والمقتضي له.
قوله تعالى : (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ).
جريمة فظيعة تدلّ على طغيانهم على الله جلّت عظمته وتمرّدهم على الحقّ ، حيث قتلوا أنبياءه ورسله الّذين أرسلهم عزوجل لهدايتهم بغير جرم اجترحوه ، مع أنّهم معصومون من كلّ نقص وبريئون من كلّ عيب ، فلا حقّ يتوجّه عليهم ، وقد أكّد تعالى على قبيح هذا العصيان وفظاعته كونه (بِغَيْرِ حَقٍ) ، وإلّا فإنّ قتل كلّ شخص بريء ومحقون الدم هو قبيح ويكون بغير حقّ.
وللدلالة على أنّه لا حق مطلقا يتوجّه عليهم يستوجب هتك حرمتهم وقتلهم.
واكتفى القرآن الكريم بذكر القتل عليهم إجمالا من غير تسمية ، ولكن التاريخ قد سجّل عليهم قتل جملة من الأنبياء ، كزكريا ويحيى عليهماالسلام وغيرهما.