مستندا الى كون قلوبهم في غلف ، وليس في خلق الله تعالى لقلوبهم ما يمنع عن قبول الدعوة الحقّة ، وإنّما هو راجع الى صنع الله عزوجل فيهم لأجل كفرهم وجحودهم للحقّ وعصيانهم ، ولذلك ترى أنّ منهم من يؤمن بالحقّ وإن كانوا قليلين.
وإنّما عبّر عزوجل بالطبع كالسكّة المطبوعة لبيان أنّ كفرهم الشديد وأعمالهم القبيحة قد أفسدت عليهم قلوبهم وطبعت عليها ، فصارت قاسية لا تقبل غير ما طبع عليها ، فإنّ القلوب لتتأثّر بكلّ ما يكسبه المرء وينطبع عليها كما ينطبع على الصخرة الملساء ما ينقش فيها ، فإن كان من الاعتقادات الحقّة أو الكمالات السامية والأعمال الصالحة فهي تهتز وتنمو بإذن الله تعالى ، وإلّا فتفسد وتقسي كالصخرة أو أشدّ منها ، كما حكي عزوجل حالها مع الإيمان والكفر والأعمال في مواضع متفرّقة في القرآن الكريم ، قال تعالى : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ) [سورة المطففين ، الآية : ١٤] ، وقال تعالى : (ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَإِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَمَا اللهُ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) [سورة البقرة ، الآية : ٧٤].
ثمّ إنّ الفرق بين الطبع (بالسكون) والطّبع (بالتحريك) هو أنّ الأوّل : الختم كما تقدّم ، والثاني هو الدنس والوسخ ، ومنه الحديث : «أعوذ بالله من طمع يهدي إلى طبع» ، أي : استجير بالله العظيم من طمع يؤدّي إلى شين وعيب.
وعن بعض اللغويين : الرين أيسر من الطبع ، وهو أيسر من الأقفال ، والأقفال أشدّ ذلك كلّه ، واستدلّ بالآيات المباركة : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ) [سورة المطففين ، الآية : ١٤] ، وقال تعالى : (طَبَعَ اللهُ عَلى قُلُوبِهِمْ) [سورة النحل ، الآية : ١٠٨] ، وقال تعالى : (أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها) [سورة محمّد ، الآية : ٢٤].
ولكن الّذي يهوّن الأمر أنّ لكلّ منها مراتب ، فيطلق كلّ مرتبة على غيرها كما يأتي في محلّه تفصيل ذلك.