ذلك. وهو يرجع إلى حبّ النفس الّذي يكون منشأه حبّ الدنيا. والهوى هو نقطة الضعف في الإنسان ومزلّة الأقدام ومبعث الضلال والشقاء والكفر والنفاق ، وقد حذّرنا الله تبارك وتعالى من اتّباعه تحذيرا أكيدا في عدّة مواضع من كتابه الكريم ، وعالج الموضوع بجميع صوره وجوانبه وخصوصياته بما لم تكن كذلك في أي موضوع آخر ، لما له الأهميّة في حياة الإنسان الدنيويّة والاخرويّة ، ولما له دخل في شقائه وسعادته ، فهو السبب الوحيد لوقوع الإنسان في حبائل الشيطان وخدعه وكيده ، وإنّه الوسيلة الّتي بها يسطير إبليس على الفرد ، وهو الّذي يحبط منزلته ويصدّه عن الكمال ، ويصرفه عن طاعته عزوجل ويوقعه في شرك الشيطان ، وبالآخرة يرجعه إلى أسفل السافلين ، قال تعالى : (يا داوُدُ إِنَّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ) [سورة ص ، الآية : ٢٦] ، ولا يسلم منه أحد إلّا بترويض النفس على التقوى وارغامها على الصبر على طاعة الله وترك المعاصي والآثام ومراقبتها على الدوام ، ولعلّ في تقديم الأمر بإقامة القسط إشارة إلى أنّها السبب في إعداد الإنسان إعدادا عقائديّا وعمليّا للتسلّط على الهوى وترك اتّباعه ، فيسهل عليه إقامة الشهادة بالعدل وبسط الحقّ. وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام في هذا الموضوع المهمّ من الآيات المناسبة إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (أَنْ تَعْدِلُوا).
وهو إمّا من العدول بمعنى الميل من الحقّ ، أو من العدل مقابل الجور ، ومنه (العدل) الّذي من أسمائه تعالى ، أي الّذي لا يميل به الهوى فيجور في الحكم ، فوضع موضع العادل وهو أبلغ ؛ لأنّه جعل المسمّى نفسه عدلا.
وإمّا مفعول لأجله للنهي أو المنهي عنه ، أو مجرور بتقدير اللام متعلّق بالاتّباع المنهي عنه ، أي : لا أن تعدلوا ، فالاحتمالات خمسة :