قوله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ).
تأكيد آخر على حياة عيسى عليهالسلام وعدم موته و (إن) نافية بمعنى (ما) ، والجار والمجرور متعلّق بمحذوف يدلّ عليه الكلام وهو نكرة في سياق النفي فيفيد العموم ، أي : وما أحد من أهل الكتاب والضمير في «به» يرجع الى عيسى عليهالسلام ، وأمّا الضمير في «موته» فقد اختلف فيه فقيل ـ وهو المعروف بين المفسّرين ـ أنّه يرجع إلى (أحد) المقدّر ، وعود ضمير الجمع إليه لا بأس به لكونه في معنى الجمع ، فيكون المعنى :
وإنّ كلّ أحد من أهل الكتاب قبل أن تزهق روحه ويدركه الموت ينكشف له الحقّ فيؤمن بعيسى عليهالسلام أنّه عبد الله ورسوله ، فاليهودي يذعن أنّه رسول صادق غير دعي لم يقتل ولم يصلب ، والنصراني يعلم أنّه عبد الله ورسوله ، فليس هو إله ولا ابنه ولا ثالث ثلاثة ، ويكون عيسى عليهالسلام شهيدا عليهم جميعا يوم القيامة ، فيشهد للمؤمن منهم في حال الاختيار والتكليف بإيمانه كما يشهد على الكافر بكفره ؛ لأنّه مبعوث وكلّ نبي شهيد على قومه قال تعالى : (فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً) [سورة النساء ، الآية : ٤١]. واستدلّ على هذا القول بأمور.
منها : أنّ هذا المعنى هو الظاهر المتبادر ، وتخصيص عموم الآية الشريفة بخصوص الموجودين حين نزول عيسى عليهالسلام ، كما ذكره بعضهم تخصيص بلا دليل عليه.
ومنها : ما أخرجه ابن المنذر عن شهر بن حوشب قال : «قال لي الحجاج : يا شهر ، آية من كتاب الله تعالى ما قرأتها إلّا اعترض في نفسي منها شيء ، قال الله تعالى : (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ) وإنّي أوتى بالأسارى فاضرب أعناقهم ولا أسمعهم يقولون شيئا ، فقلت : رفعت إليك على غير وجهها ، إن النصراني إذا خرجت روحه ـ أي إذا قرب خروجها كما في رواية اخرى ـ ضربته الملائكة من قبله ومن دبره ، وقالوا : أي خبيث إنّ المسيح الّذي زعمت أنّه الله