يموتون قبل نزوله عليهالسلام كما عرفت ، ولا يقدح ذلك في دلالة الآية الشريفة بعد ظهور عمومها ، ويمكن أن يستدلّ عليه امور :
الأوّل : أنّه الظاهر المتبادر من سياق الآية الكريمة ، وإرجاع الضمير الثاني الى المبتدأ المقدّر يحتاج الى قرينة خاصّة لا سيما بعد رجوع الضمير الأوّل إليه عليهالسلام ، وأفراد الضمير الثاني كما هو معلوم.
الثاني : أنّ وقوع هذه الآية الشريفة ، بعد قوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) ـ الى قوله تعالى ـ (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ، لا بدّ أن يكون لبيان معنى زائد عمّا في الآية السابقة ، وهو أنّ الّذين يدعون قتله وصلبه لا بدّ أن يذعنوا بأنّه حي لم يمت ويؤمنون به ولو كان إيمانهم اضطراريا.
الثالث : أنّ ذيل الآية المباركة (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) يدلّ على شهادة عيسى عليهالسلام عليهم جميعا يوم القيامة ، ولا بدّ أن تكون شهادته عليهالسلام عامّة شاملة لجميع أفراد أهل الكتاب من حين بعثته عليهالسلام الى حين موته ، فإذا كانت هذه الآية الكريمة تدلّ على إيمانهم جميعا به قبل الموت ينتج أنّه حي ، ثمّ يمت حتّى تتمّ دلالة الآيتين المباركتين ـ الصدر والذيل ـ معا ، ويؤكّد ذلك قوله تعالى حاكيا عنه عليهالسلام في خصوص الشهادة : (وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ قالَ سُبْحانَكَ ما يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ ما لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ ما فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ ما فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ* ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٦ ـ ١١٧] ، فإنّه يدلّ على أنّ شهادته كانت في أيّام حياته فيهم قبل توفيه ، وذيل الآية الشريفة المتقدّمة يدلّ على أنّ شهادته كانت على الجميع ، فلو كان المؤمن به هو الجميع ـ كما يدلّ عليه صدر الآية المتقدّمة ـ فينتج أنّه لم يتوف إلّا بعد الجميع ، فهو حي ولم يمت وسيعود إليهم حتّى يؤمنوا به ، فإن أدركه أحد منهم كان إيمانه اختياريا وإلّا فيؤمنون به عند موته.