الإيمان منهم قبل الموت ، سواء كان إيمانا مقبولا أم لم يكن بأن كان اضطراريا ، فهو يدلّ على وقوع أصل الإيمان منهم.
كما أنّ قوله تعالى : (إِذْ قالَ اللهُ يا عِيسى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٥] يدلّ على أنّ من يكفر بعيسى عليهالسلام منهم من هو باق الى يوم القيامة ، وإن كانوا مغلولبين من قبل المؤمنين به.
ولكن الإنصاف أنّه لا يدلّ على بقائهم بعنوان كونهم أهل الكتاب وكافرين بعيسى عليهالسلام بالخصوص ، بل الآية الشريفة تدلّ على أن الّذين آمنوا بعيسى عليهالسلام سوف يكون لهم منزلة وشوكة بعد نزوله وإيمان الناس به واتّحاد الأديان كلّها في الاعتقاد ، وأنّهم فوق الّذين كفروا الّذين يعاندون الحقّ.
كما أنّ الاستدلال بقوله تعالى : (وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) [سورة المائدة ، الآية : ١١٧] على بقاء الكافرين بعد توفي عيسى عليهالسلام غير وجيه ؛ لأنّ ظاهر الآية الشريفة تبيّن أنّه نبي مبعوث الى الناس جميعا ، وأنّه منزّه عمّا نسب إليه ، سواء كان من اليهود أم النصارى أم غيرهم ، فهو بريء ممّا نسب إليه الناس مطلقا ، فتكون شهادته على أعمالهم جميعا ، ورقابته عزوجل بعد توفيه عليهالسلام لم تختص بأهل الكتاب بل الناس كلّهم. وأنّه سيبقى الكافرون لكن لا بعنوان كونهم من أهل الكتاب فقط.
والمتحصّل من جميع ذلك : أنّ الآية الشريفة في المقام بضميمة سائر الآيات الكريمة تدلّ على أنّ جميع أهل الكتاب بل جميع الناس سوف يؤمنون بعيسى عليهالسلام ، وأنّه حي لم يمت ويعود فيؤمن به الأحياء ، فتتّحد الأديان كلّها ، وأمّا من مات من أهل الكتاب قبل نزوله فإنّه يؤمن بحقّيته عند موته ، وتقدّم ما يتعلّق بعدم موت عيسى عليهالسلام في سورة آل عمران فراجع ، وسيأتي في البحث الروائي والتاريخي ما يتعلّق به.
ثمّ إنّ الزمخشري ذكر في المقام أنّ الآية الكريمة يجوز أن يراد منها أنّه لا يبقى