أحد من جميع أهل الكتاب إلّا ليؤمنن به على أنّ الله تعالى يحييهم في قبورهم في ذلك الزمان ويعلّمهم نزوله وما انزل إليه ، ويؤمنون به حين لا ينفعهم إيمانهم.
وما ذكره قول بالرجعة ، وقد دلّت الأدلة الكثيرة على ثبوتها وتحقّقها ، لكن لها حدودا وقيودا مذكورة في محلّها ، وليست هي بهذا العموم والشمول الّذي ذكره.
وكيف كان ، فصدور مثل هذا الكلام عن مثل الزمخشري لدليل على الاعتقاد بالرجعة الّتي ينكرها جمع كثير من علماء الجمهور ، وسيأتي في الموضع المناسب تفصيل الكلام في هذا الموضع المهمّ إن شاء الله تعالى.
قوله تعالى : (وَيَوْمَ الْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً).
الضمير في «يكون» يرجع الى عيسى عليهالسلام ، أي : ويوم القيامة يكون عيسى عليهالسلام شهيدا على أهل الكتاب جميعا ممّن آمن به إيمانا صادقا ، فيشهد له كذلك ، ومن كان إيمانه اضطراريا لا ينتفع به يكون شهيدا عليهم.
وهذه الآية المباركة قرينة اخرى على أنّ الضمير في «موته» يرجع الى عيسى عليهالسلام ، كما عرفت آنفا.
قوله تعالى : (فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا).
تفريع على ما سبق ، والباء للسببية ، والتنوين في (فَبِظُلْمٍ) للتفخيم ، والتنكير للتهويل ، وإبهام الظلم وهو بدل ممّا تقدّم من مخازيهم وفجائعهم ، والتعبير عن اليهود بهذا العنوان إيذانا لشناعة فعلهم وعظمة ظلمهم ، كما هو دأبه تبارك وتعالى عند تقريعهم وتذكيرهم بمظالمهم وفجائعهم التعبير به كما في غير هذا المقام أيضا ، وفيه تذكير لهم بأنّهم هم الّذين تابوا من عبادة العجل والمعاصي وأخذ منهم المواثيق.
والمعنى : أنّه بسبب ظلمهم العظيم الخارج عن حدود الوصف والأشباه والنظائر ، حرّمنا عليهم الطيبات بعد أن أحلّها الله تعالى عليهم.
قوله تعالى : (حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ).
فقد أحلّ عزوجل كلّ الطيبات لهم ، كما يدلّ قوله تعالى : (كُلُّ الطَّعامِ كانَ