الأوّل : أن يكون بمعنى العدول ، ويكون علّة للمنهي عنه ، أي : فلا تتبعوا الهوى لئلا تميلوا من الحقّ ، وحينئذ فلا حاجة إلى التقدير.
الثاني : أن يكون كذلك وهو علّة للنهي ، فيحتاج إلى التقدير ، أي : أنهاكم عن اتباع الهوى مخافة العدول عن الحقّ والابتعاد عن القسط.
الثالث : أن يكون بمعنى العدل وهو علّة للنهي عنه ، أي لا تتّبعوا الهوى في إقامة الشهادة كراهة أن تعدلوا ، أو بتقدير اللام كما عرفت ، أي : لأن تعدلوا ولا تجوروا فلا تتبعوا الهوى ، فيحتاج إلى التقدير أيضا.
الرابع : أن يكون بمعنى العدل وهو علّة للنهي ، فلا يحتاج إلى التقدير كالاحتمال الأوّل ، أي أنهاكم عن اتّباع الهوى للعدول وعدم الجور.
الخامس : ما تقدّم بتقدير اللام.
قوله تعالى : (وَإِنْ تَلْوُوا أَوْ تُعْرِضُوا).
تحذير آخر ينبئ عن إنذار شديد إذا هم حرّفوا الشهادة أو أعرضوا عن إقامتها بعد تحملها ، وتلووا ـ بسكون اللام وضمّ الواو ـ من اللّي بالشيء وهو إتيانه على غير وجهه ، أو في المقام سواء كان بالتحريف في الشهادة أو إتيانها على غير وجهه أو تبديلها والحكم بالباطل ، أو تعرضوا عنها وتكتموها فلا تؤدّوها رأسا.
وقرئ (تلوا) بضم اللام واسكان الواو من الولاية ، أي : إن وليتم إقامة الشهادة وآتيتم بها أو أعرضتم عنها ، فإنّ الله تبارك وتعالى هو الخبير بجميع أعمالكم ونواياكم.
قوله تعالى : (فَإِنَّ اللهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً).
إنذار ، أي : أنّكم إذا تصدّيتم لأمر الشهادة بأي نحو كان بالأداء أو بالتحريف أو بالإعراض ، فإنّ الله تعالى خبير يعلم دقائق الأمور ، مطّلع على جميع مقاصدكم ـ من الغشّ والخيانة ونحوهما ـ وعلى جميع أعمالكم ـ من التحريف والكتمان ـ فيجازيكم عليها ، وإنّما لم يبيّن سبحانه وتعالى نوع الجزاء لتهويل الأمر ، وأنّه حسب ما يترتّب عليه من الفساد والضرر من الشدّة والضعف.