و «قليلا» في قوله تعالى : (فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلاً) قيل إنّه منصوب على أنّه نعت لمصدر محذوف ، أي : إلّا إيمانا قليلا. وقد عرفت فساد هذا الاحتمال آنفا ، لأنّ الإيمان بالمعنى الّذي ذكروه ـ وهو الإيمان ببعض الأنبياء والكفر بالبعض الآخر ـ لا اعتبار به ، كما صرّح به في الآيات السابقة. والصحيح أنّه منصوب على الاستثناء من ضمير «لا يؤمنون».
وأما «بهتانا» في قوله تعالى : (وَقَوْلِهِمْ عَلى مَرْيَمَ بُهْتاناً عَظِيماً) منصوب إمّا على أنّه مفعول به ل (قَوْلِهِمْ) ، وإمّا أن يكون صفة لمحذوف ، أي : قولا «بهتانا».
و «يقينا» في قوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ يَقِيناً) صفة للمقدّر ، أي : ما قتلوه قتلا يقينا ، وقيل : إنّه مفعول مطلق لفعل محذوف ، والتقدير : (تيقنوا ذلك يقينا) ، ولكنّه تطويل بلا طائل تحته.
بحث دلالي
تدلّ الآيات الشريفة على امور :
الأوّل : يستفاد من قوله تعالى : (فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) أنّ هذا السؤال الّذي يدلّ على عظيم جرأتهم على الله تعالى هو المقتضي للسؤال الثاني ، وهو تنزيل كتاب من السماء ، كما يدلّ على أنّ التجرّي على الله تعالى ورسله العظام ارتكز في نفوسهم من ذلك السؤال العظيم ، ولعلّه لأجل هذا صار أكبر من السؤال الثاني.
ومن ذلك يعلم أنّه لا بدّ للإنسان مراقبة أقواله وأفعاله ، فإنّه ربّما يوجب قول أو فعل سلب التوفيق عنه ويخلّف أثرا كبيرا على النفس ولو لم يظهر إلّا بعد حين.
كما يستفاد من الآية الشريفة أنّ الأقوال تكشف عن نوايا النفوس ومخفيات القلوب ، مهما حاول الشخص إخفاء منوياته والستر على بواطن نفسه إلّا أنّه قد