تظهر على فلتات لسانه ، فتؤدي به الى الهلاك والخسران ، وتخلّف آثارا وخيمة على الذرية والأعقاب ، كما حكى عزوجل عن اليهود في الآيات المباركة المتقدّمة ، فإنّ كلّ ما حلّ بهم من البوار والخسران إنّما كان نتيجة أقوال السلف وأفعالهم الشنيعة ، كما عرفت آنفا.
الثاني : يستفاد من قوله تعالى : (وَآتَيْنا مُوسى سُلْطاناً مُبِيناً) أنّ النكوص عن الطاعة والإعراض عن متابعة الرسل والأنبياء والإصرار على المعاصي والآثام ، كلّ ذلك يوجب التشديد في التكليف وتفويض الأمر الى الرسل في إنزال العقاب ، وتدلّ عليه آيات كثيرة ، وتقدّم في قوله تعالى : (وَما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَالْحِكْمَةِ) بعض الروايات الدالّة على ذلك أيضا ، فإن إيتاء موسى عليهالسلام السلطان المبين إنّما كان بعد العصيان وسؤال الرؤية الّتي تدلّ على كفرهم واتّخاذ العجل معبودا ، فقد فوّض الله تعالى إليه ما يريد الأصلح لامته.
الثالث : قد ورد في هذه الآيات الشريفة النازلة في حقّ اليهود وأحوالهم لفظ الميثاق ثلاث مرّات ، واستعمل فيهم في غير المقام كثيرا ، ولعلّ الوجه في ذلك إمّا للإعلام بحقيقة حالهم بالنسبة الى العهود والمواثيق حتّى عرفوا بنقضها ، فلا يغتر غيرهم بهم.
أو لأجل كثرة إصرارهم على المعاصي وارتكاب الآثام ، فشدّدوا على أنفسهم بإحكام العهود وتشديد المواثيق عليهم ، كما حكى عزوجل عنهم ، فيعتبر غيرهم من الأمم منهم ، فلا يضيّقوا على أنفسهم بالإصرار على المعاصي حتّى لا يضيّق الله عليهم.
أو لأجل أنّ شريعة موسى عليهالسلام الّتي هي واحدة من الشرائع الإلهيّة المعروفة تعتبر الركيزة الاولى في بقية الشرائع ، بل هي أولى شريعة كاملة بعد شريعة نوح عليهالسلام ، وقد نزلت في مرحلة ما من النضج الفكري للإنسانيّة ، ولذا عرفت هذه الشريعة بشريعة الوصايا والمواثيق ، وأمّا شريعة خاتم النبيين صلىاللهعليهوآله فقد عرفت بشريعة الكمال والاستكمال ، لأنّها احتضنت جميع الشرائع السماويّة ، لا سيما