الحنيفيّة الّتي أقرب الى الفطرة ، وأمّا شريعة عيسى عليهالسلام فقد كانت امتدادا لشريعة موسى عليهالسلام.
الرابع : يستفاد من القيد في قوله تعالى : (وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍ) أنّ قتل الأنبياء عليهمالسلام حرام في جميع الوجوه والحالات ، وأنّه لا يكون حقّا مطلقا ، فإذا كان القتل حراما وباطلا لأنّه غير حقّ ، فيشمل الأذية والإهانة ونحوهما ؛ لأنّهما غير حقّ أيضا ، فهي حرام وباطل بالنسبة إليهم.
الخامس : يدلّ قوله تعالى : (وَما قَتَلُوهُ وَما صَلَبُوهُ وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) على نفي القتل الّذي زعمه اليهود ونفي الصلب الّذي يزعمه النصارى ، وأنّ القتل أو الصلب كان في حقّ شبيه عيسى عليهالسلام ، ولعلّ السرّ في هذا التشبيه هو أنّه لو رفع الى السماء ظاهرا بمرأى من الناس ، لاستحكمت شبهة الألوهيّة فيه وسرت إلى بعض المؤمنين به.
كما أنّه لو غيّب عنهم المسيح عليهالسلام ورفع الى السماء في الخفاء من دون إلقاء الشبه على غيره ، لاتّهموا أهله والمؤمنين به بإخفائه فعمّهم البلاء وكثر فيهم القتل والتنكيل وفضيحة النساء طلبا لإظهاره ، ولعلّه لذلك عقّب سبحانه هذه الآية الشريفة بقوله : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً) ، وهذا هو المكر الّذي أثبته لنفسه عزوجل في قوله تعالى : (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللهُ وَاللهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٤] ، فإنّ مكره وتدبيره الخفي لا يكون إلّا جاريا على الحكمة ، وهو القوي العزيز الّذي لا يغلبه مكر الماكرين.
السادس : يستفاد من قوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) أنّ الغاية من رفعه هو تكريم السيد المسيح برفعه من الأرض الّتي فيها الكافرون والفساق وتطهيره منهم الى السماء الممحضة لتسبيحه عزوجل ، فكنّى سبحانه وتعالى عن ذلك برفعه إليه ، وإلّا فإنّ الله جلّ شأنه لا يخلو عنه مكان ، ويؤكّد ذلك قوله تعالى في سورة آل عمران : (وَرافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٥].