أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُهْتَدُونَ) [سورة الزخرف ، الآية : ٢٢] ، وكذلك قال سبحانه وتعالى : (إِلَّا قالَ مُتْرَفُوها إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ) [سورة الزخرف ، الآية : ٢٣] ، وتصل هذه المتابعة المذمومة إلى مرحلة تسمّى بعبادة السلف ، فتستولي على جميع مشاعرهم فلم تنفعهم هداية المهتدين ولا موعظة الواعظين ولا حجج المحتجّين.
ولم يصل الإنسان الى هذه المرحلة من عبادة السلف إلّا بعد طي مراحل متعدّدة ؛ لأنّ الإنسان كائن إرادي أخلاقي حساس مختار ، فلا تصدر منه الأفعال عفوا من دون فكر وروية بخلاف غيره من الحيوانات الّتي يصدر منها كثير من الأفعال بالمتابعة فقط ، فإذا وصل الإنسان الى هذه الحالة وصار كغيره من الحيوانات ، فلا بدّ أن يكون له أسباب عديدة قد ذكرها العلماء في مواضع متفرّقة من العلوم الإسلاميّة ـ كعلم الأخلاق ، وعلم السير والسلوك ، وعلم الأديان. وذكرنا ما يتعلّق بهذا الموضوع في أحد مباحثنا السابقة فراجع ، ولعلّ قوله تعالى : (يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ) إشارة الى هذا الوجه ، فإن الخلف اتّبعوا سيرة السلف في السؤال عن امور من الأنبياء تكشف عن كفرهم ونقضهم للمواثيق.
ثانيهما : أنّ كثرة المعاصي الّتي صدرت من السلف وعظمتها كان لها الأثر الشديد في نفوسهم ، بحيث سلبت منهم كلّ سبل الهداية كما يستفاد من قوله تعالى : (بَلْ طَبَعَ اللهُ عَلَيْها بِكُفْرِهِمْ) ، ولم تقتصر تلك الآثار عليهم فقط ، بل تأثّرت بها الأجيال الّتي من بعدهم ، فإنّ للذنوب والآثام آثارا واقعيّة لا بدّ من تحقّقها وتأثّر النفوس بها ، ولا يمكن التخلّف عن ذلك كما ذكرنا في قوله تعالى : (مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ) [سورة النساء ، الآية : ١٢٣] ، وهذا ليس من باب الجزاء حتّى يقال إنّه يخالف قوله تعالى : (وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) [سورة الأنعام ، الآية : ١٦٤] ، بل هي حقيقة واقعيّة لا دخل للاختيار فيها ، إلّا ما اختاره الشخص من السبب والمؤثّر ، كما هو شأن سائر الحقائق الواقعيّة ، فإنّ السمّ لا بدّ من أن يؤثّر في من