ومنها : أنّ الشفاعة إنّما تكون لأولياء الله تعالى بإذنه جلّ شأنه ، قال تعالى : (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى) [سورة الأنبياء ، الآية : ٢٨] ، وغير ذلك من الشروط الّتي ذكرناها في بحث الشفاعة ، ولم تتحقّق واحدة منها في الفداء المزبور ، فهما على طرفي التخالف ، ولذا كانت الشفاعة أمرا مرغوبا ومحبوبا ، وأمّا الفداء بالمعنى الّذي يقوله المسيحيون ، فهو أمر لا يقبله العقل ويرفضه الشرع.
بحث عرفاني
الأنبياء ـ الّذين هم أفضل أفراد البشر وأكملهم حسب درجاتهم ـ كلّهم من مظاهر شؤونه تعالى وأفعاله ، وكلّ واحد منهم مظهر لأسمائه الخاصّة جلّ شأنه. وفضّل بعضهم على بعض بشرف تقرّبهم الى حضرته جلّت عظمته ـ وإن كان جميعهم نالوا التقرّب إليه بمكانتهم وارتباطهم معه تعالى ـ ولا يتحقّق ذلك التشرّف العظيم إلّا بأداء أمانة الحقّ الملقاة على عواتقهم وتحمّل المشاق في سبيل إعلاء كلمته عزّ اسمه والتكلّف مع المشقّة الشديدة في إبلاغ رسالته ، وتحمّل الأذى في سبيل هداية البشر الى السعادة بعد إنقاذهم من المهالك والقيام بالوساطة بينه تعالى وبين العباد.
وكلّما كانت الامة بعيدة عن الكمالات والمثل الإنسانيّة والأخلاقيّة ومنغمسة في الشرور والماديات ، كان تعب النبي وتحمّله أشدّ وتقرّبه الى الله أكثر ، ولذا ورد في الحديث عن نبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله : «ما اوذي نبيّ مثل ما أوذيت» ولأجله ـ ولكمالات اخرى ـ تفوّق صلىاللهعليهوآله على جميع الأنبياء وإلّا فإنّ الأنبياء جميعهم على حدّ سواء في إبلاغ الرسالة قال تعالى : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [سورة المائدة ، الآية : ٧٥] ، وقال تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ) [سورة آل عمران ، الآية : ١٤٤].
وإنّما خصّ سبحانه وتعالى كلّ نبي بمعجزة خاصّة لتناسب زمانه بها