ويوجّه الخطاب بعد أن كان مع أهل الكتاب الى الناس كافّة بشأن بعثة خاتم المرسلين رسول الله صلىاللهعليهوآله بعد إقامة الشهادة على صدق نبوّته ، ويأمرهم بالإيمان به وبالرسل جميعا على استقامة ، فإنّ الإيمان خير لهم من الكفر الّذي يوردهم الى الخسران.
وتختتم الآيات المباركة بحقيقة واقعيّة فيها تذكير للكافرين بأنّ الله تعالى غني عنهم لا يضرّه كفرهم ، فإنّ لله ملك السموات والأرض وهو العليم الحكيم ، ومن حكمته أنّه لا يعاقبهم بكفرهم إلّا بعد إرسال الرسل وإقامة الحجّة مع علمه بالكافرين والمؤمنين منهم.
التفسير
قوله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ).
استدراك من قوله تعالى : (وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً) لبيان أنّ بعضهم على خلاف حالهم في الآجل والعاجل ، واستثناء من أهل الكتاب الّذين ذكرت أحوالهم في الآيات الشريفة السابقة ، فإنّ بعضهم لم يكن كذلك فقد علموا بالحقّ وثبتوا على علمهم ، فلم ينكروه عنادا ولجاجا كما فعله غيرهم من أهل الكتاب ، ولم يتّبعوهم في مظالمهم وجرائمهم ، فلم يسألوا النبي صلىاللهعليهوآله أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، إنكارا لما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله ، وإعلاما منهم بأنّه لا يكفي ما انزل على الرسول من الكتاب والحكمة في دعوته الى الحقّ ، مع أنّه صلىاللهعليهوآله لم يكن بدعا ـ من الرسل ـ فهو مثل سائر الأنبياء والمرسلين لم يدعهم إلّا الى ما دعوا إليه ، فآمن هؤلاء الراسخون في العلم العارفون حقيقة الحال بالرسول صلىاللهعليهوآله وما انزل إليه وما انزل من قبله ، بعد أن عرفوا أنّ الأنبياء على كثرتهم متّحدون في الدعوة والغاية وهم مشتركون في أغلب السجايا والأخلاق ، قال تعالى : (وَما أَرْسَلْنا قَبْلَكَ إِلَّا رِجالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ فَسْئَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ* وَما جَعَلْناهُمْ جَسَداً