لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَما كانُوا خالِدِينَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ٧ ـ ٨] ، فيستفاد منه أن لا امتياز بينهم في أصل الرسالة ، كما تقدّم في البحث العرفاني في الآيات المباركة السابقة ، وقال تعالى : (لَقَدْ أَنْزَلْنا إِلَيْكُمْ كِتاباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ) [سورة الأنبياء ، الآية : ١٠].
ويدلّ قوله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ) على أنّ أهل الكتاب كلّهم كانوا يعلمون الحقّ ولكنهم أنكروه جحودا وعنادا ، إلّا من رسخ في علمه وثبت عليه واستقام ، فتحقّق فيه سجيّة اتّباع الحقّ والإيمان بالرسول العظيم صلىاللهعليهوآله.
قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ).
وصف لهم بالإيمان بعد ما وصفهم بما يوجبه من الرسوخ في العلم ، وإنّما عطف بينها ب (و) إيماء الى اختلافهما في الذات كما اختلفا في العنوان ، وإعلاما بأنّ إيمانهم إيمان إذعان لا إيمان عصبيّة وجدل. وهذان الوصفان من أعلى الأوصاف ، فإنّهما يدلان على كون الإيمان منهم على معرفة ويقين وثبات ، فلم يكن عن جهل وقوميّة أو عصيبة ظلماء ، فيكون ذلك بأهل الكتاب أنسب منه بالمؤمنين من غيرهم ، الّذين وصفهم عزوجل بقوله تعالى : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) [سورة يس ، الآية : ٦] ، وإنّما آمنوا بما انزل على الرسول وما انزل من قبله ؛ لأنّهم عرفوا أنّ الأنبياء كلّهم متّحدون في الدعوة والغاية كما عرفت.
قوله تعالى : (وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ).
جملة معطوفة على «الراسخون» ـ ومثلها جملة «والمؤتون الزّكاة» ـ تبيّن وصفا آخر وهو إقامة الصلاة ، أي أدائها على وجه الكمال والتمام ، كما عرفت في اشتقاق هذه الكلمة في غير المقام.
وقد اختلف العلماء في إعراب هذه الجملة ، فقيل : إنّها منصوبة على وجه المدح والاختصاص ، أي : أعني وأخصّ المقيمين الصلاة ، فإنّهم أجدر بالرسوخ في