كتاب من السماء ، فالآية الشريفة تبيّن أنّه رسول الله وأنّ شأنه في الوحي شأن سائر الأنبياء (عليهم الصلاة والسّلام) ، وأنّ الوحي النازل منه تعالى واحد للرسل جميعا ، فإنّه عزوجل بما له من العظمة والكبرياء وما له من مقام رحمته الّتي هي من شؤون ألوهيته وربوبيّته أنزل الوحي على نوح والنبيين من بعده ، وأنزل الوحي على رسول الله خاتم النبيين لهداية البشر ، ولم يسأل أحد من الأنبياء قبلك أن ينزل عليهم كتابا كما سألوك ؛ عنادا ولجاجا وتشكيكا منهم في نبوّتك ، وإن سألوا موسى أكبر من ذلك فقالوا : (أَرِنَا اللهَ جَهْرَةً) [سورة النساء ، الآية : ١٥٣] ، فإنّ الوحي لشاهد قوي على صدقك وصدق الأنبياء قبلك إلّا الراسخين في العلم منهم فقد آمنوا بك ؛ لأنّهم علموا أنّ الوحي واحد ، والأنبياء عليهمالسلام كلّهم على نهج واحد ، فإنّهم رسل مبشرون ومنذرون ، أرسلهم الله تعالى لإتمام الحجّة ، وأنزل عليهم الوحي الّذي يشتمل على التوجيهات والتكاليف الّتي هي في صالح البشر وترشدهم الى كمالهم المنشود.
وإنّما ذكر عزوجل نوحا لأنّه أوّل نبي انزل عليه الكتاب وجاء بشريعة ، وأمّا الأنبياء بعده فقد كانوا على شريعته الى إبراهيم خليل الرحمن عليهالسلام ، فقد جاء بالحنيفيّة وشريعة جديدة ، ثم الأنبياء من بعده على شريعته الى عصر موسى كليم الله عليهمالسلام ، الّذي أتى بشريعة جديدة وانزل عليه التوراة ، وأمّا الأنبياء بعده ، فإنّهم كانوا على شريعته ومنهاجا حتّى عصر عيسى عليهالسلام الّذي انزل عليه الإنجيل وأتى بشريعة.
وما هو المعروف من أنّ المسيح ليست له شريعة غير شريعة موسى عليهالسلام كما هو ظاهر الآية الشريفة ـ أيضا ـ النازلة في شأن عيسى عليهالسلام : (وَمُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ) [سورة آل عمران ، الآية : ٥٠] وغيرها من الآيات المباركة.
يمكن المناقشة فيه من أنّ التغيير أو التبديل في الشريعة السابقة يكفي في تأسيس الشريعة ، وقد تقدّم منّا مكرّرا من أنّ الشرائع كلّها متّحدة ، وأنّ كلّ