نزول هذه السورة ، فإنّهم رسل الله تعالى وأوحى عزوجل إليهم ما أوحى الى هؤلاء المذكورين. وقد ذكر تعالى جملة من قصصهم في سورتي هود والشعراء.
قوله تعالى : (وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ).
فإنّ القرآن الكريم لم يذكر جميع الأنبياء والمرسلين ، وإنّما ذكر بعضهم وبعضا من أحوالهم وأحوال أمتهم للعظة والعبرة.
قوله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً).
مزيّة خاصّة لموسى عليهالسلام لم تكن لغيره من الأنبياء عليهمالسلام حتّى عرف بينهم ب (كليم الله) ، وهو نوع من أقسام الوحي الّتي سيأتي ذكرها في بحث خاصّ ، وقد تقدّم البحث في كلام الله تعالى في سورة البقرة الآية ـ ٢٥٣ في قوله تعالى : (مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللهُ).
وإنّما أكّد عزوجل ذلك بقوله : (تَكْلِيماً) ؛ لرفع كلّ تأويل ومجاز في المقام ، فإنّ التكلّم حصل بين موسى عليهالسلام وبينه جلّ شأنه كرارا ومرارا ، كما حصل لنبيّنا الأعظم صلىاللهعليهوآله في ليلة المعراج.
قوله تعالى : (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ).
أي : أنّ أولئك الرسل الّذين منهم من قصصنا عليك ومنهم من لم نقصص عليك إنّما هو ذو أحوال ـ أو أوصاف ثلاث ـ رسلا أرسلهم الله تعالى لهداية البشر وإخراجهم من الضلالة والعمى الى النور ، وأوحى إليهم ما يوجب كمالهم ، لعدم كفاية داعي الفطرة والعقل في الهداية ، وعدم اغنائهما عن بعث الرسل ، مبشرين لمن آمن وأطاع وعمل صالحا بالثواب الجزيل والأجر العظيم ، ومنذرين : لمن تولّى وكفر وعصى بالوعيد والعذاب الأليم.
وإنّما كانوا مبشّرين ومنذرين ؛ لاختلاف طبائع الناس ؛ لأنّ منهم من يكتفي فيه بالبشارة فيؤمن ، ومنهم من لا يهتدي إلّا بالإنذار والتخويف.
أو لأنّ الإنسان لما كان مركبا من قوى متخالفة وذا أمزجة متعدّدة فبعضها تقهر بالتطميع والتبشير ، وبعضها لا يفيده إلّا التخويف والتشديد ، والعاقل إنّما