يتحكّم في هذه القوى بهاتين الركيزتين اللتين ذكرهما عزوجل في هذه الآية الشريفة ، وهما مصدر الرجاء والخوف.
بل يستفاد من الآيات المباركة الواردة في الثواب والعقاب في القرآن الكريم أنّ الإنسان إنّما يحيي ويكون صالحا بهاتين الخصلتين ـ الخوف والرجاء ـ وهما أهمّ الدعامات في التربية الإسلاميّة ، ولا يمكن أن تستوفي الفوائد المترتّبة عليها إلّا بهما ، فلما اقترن ذكرها بأهمّ حدث في الإنسانيّة وهو الرسالة لعظيم أثرها وعدم استغنائها منهما.
قوله تعالى : (لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ).
غاية من غايات بعث الرسل والأنبياء ، وهي تنبئ عن عظيم لطفه بعباده وعنايته بهم ، حيث جعل لهم حجّة عليه عزوجل لو لم يبعث الرسل إليهم ، ولم يكتف بما أنعم عليهم من السمع والأبصار والأفئدة ، وما أودع فيهم من الفطرة الداعية الى التوحيد والحقّ والعدل ، وأنّ من كرمه عزوجل بهم أنّه لم يكلهم الى أنفسهم رغم ما وهب لهم العقل ، لعلمه الأتم بأنّهم عرضة للهوى والانحراف والضلال في العقل الموهوب ، وانتكاس الفطرة ، بل أرسل إليهم رسلا مبشّرين ومنذرين لينيروا لهم الطريق ويرشدوهم الى ما أفسدوه من الفطرة باتّباع الشهوات وفعل المعاصي والآثام ؛ لئلّا يكون للناس على الله حجّة بعد إرسال الرسل وتبليغهم للشريعة ، فلا يعتذروا بالجهل ويكون الثواب والعقاب على طبق قانون العقل.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً).
أي : له العزّة والحكمة المطلقتان ، فلم يغلبه أحد في أمر يريده ، ويستحيل أن يغلبه شخص بحجّة ، فإنّ له الحجّة البالغة ، لكن من حكمته أنّه قطع حجّتهم بإرسال الرسل وبعث الأنبياء وتشريع الشرائع وإنزال الكتب لهدايتهم.
قوله تعالى : (لكِنِ اللهُ يَشْهَدُ بِما أَنْزَلَ إِلَيْكَ).
استدراك عمّا قبله ويتضمّن معنى الاستثناء والردّ عليهم وتبكيتهم بإنكارهم