لنبوّته صلىاللهعليهوآله وعدم شهادتهم بها مع علمهم بالمشهود به ووضوحه لديهم ، ومع ذلك كلّه ينكرون ويكابرون بالشهادة والإيمان ويكفرون به صلىاللهعليهوآله وبما أنزلنا إليه فيسألونه أن ينزل عليهم كتابا من السماء ، وقد ردّ عليهم بأنّهم سألوا موسى عليهالسلام أكبر من ذلك ، وأنّهم في سؤالهم هذا مكابرون ؛ لأنّ ما جاء به النبي صلىاللهعليهوآله وما اوحي إليه هو نفس ما اوحي الى سائر النبيين ، وأنّ الوحي واحد والغاية متّحدة ، فإن لم تلزمهم الحجّة ويشهدوا لك بالنبوّة والرسالة ، فالله تعالى يشهد بنبوّة محمّد صلىاللهعليهوآله وصدق ما انزل إليه ، وهذه مزيّة خاصّة لنبوّة خاتم الأنبياء صلىاللهعليهوآله ، فإنّه عزوجل يشهد بحقيقة ما انزل إليه ، وهو يكفي في الشهادة على نبوّته وصدقه صلىاللهعليهوآله لإعجازه ، فلا يحتاج الى إنزال كتاب آخر ، وفيه الردّ على سؤالهم ولجاجهم.
قوله تعالى : (أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ).
تأييد آخر لصدق ما انزل الى الرسول صلىاللهعليهوآله وحقيقته ، وبيان الى أنّ ما انزل إليه إنّما كان عن علم بجميع خصوصيات المنزل وإحاطته به إحاطة تامّة يسلم عن كلّ باطل وزيغ ، وتتضمّن الآية الشريفة أمورا كثيرة.
منها : أنّ ما انزل إليه صلىاللهعليهوآله هو من علمه الأتم ، فيحتوي على جميع الحقائق الواقعيّة والتوجيهات الربوبيّة والتشريعات الربانيّة فتكون هذه مزيّة فائقة على جميع الكتب الإلهيّة.
ومنها : أنّه أنزله بعلمه الخاصّ الّذي لا يعلمه غيره ، فيكون معجزة خارقة للعادة ، يعجز عنه كلّ بليغ وصاحب بيان.
ومنها : أنّه أنزله بعلمه لئلّا يفسده الشيطان ، فيضع الباطل مكان الحقّ أو يخلطه ، فيدخل شيئا من الباطل في الوحي الإلهي الحقّ ، قال تعالى : (عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَأَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً) [سورة الجن ، الآية : ٢٧ ـ ٢٨].