ومنها : أنّه أنزله بعلمه فقط فلم يعلم به غيره عزوجل أبدا ، لا أنت ولا قومك ولا غيرهم ، قال تعالى : (تِلْكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيها إِلَيْكَ ما كُنْتَ تَعْلَمُها أَنْتَ وَلا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هذا فَاصْبِرْ إِنَّ الْعاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ) [سورة هود ، الآية : ٤٩] ، وقال تعالى : (وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا) [سورة الشورى ، الآية : ٥٢].
ومنها : انّما أنزله بعلم تامّ بأنّك أهل لإنزاله عليك ، وعلمه بأنّك تقوم بأعباء الرسالة خير قيام. وهذه الجملة المباركة تتضمّن هذه المعاني الدقيقة وغيرها ممّا لم يسع أفهامنا إليه ، وهي تكفي في الدلالة على إعجاز هذا الكتاب العظيم وصدق المنزل عليه ، وحقيقة ما جاء صلىاللهعليهوآله به ، فسبحان من يعلم دقائق الأمور وخفياتها ، كما فيه التبكيت العظيم لجهلهم وعنادهم.
قوله تعالى : (وَكَفى بِاللهِ شَهِيداً).
فإنّه تعالى هو العالم بجميع الأمور ، فقد بالغ في الشهادة بجميع جوانبها ووجوهها على وجه لا تحتاج معه إلى شهادة غيره عزوجل ، قال تعالى : (قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهادَةً قُلِ اللهُ شَهِيدٌ بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ) [سورة الأنعام ، الآية : ١٩] ، وقد حكى عزوجل في القرآن الكريم ما أوضح السبيل ، وأنار الطريق ، ونصب الدليل ، وأزال الشبهة وكلّ ريب. وحقّا أن يقول سبحانه وتعالى : (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) [سورة الأسراء ، الآية : ٨٨].
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللهِ).
الخطاب مع أهل الكتاب ، وفيه من التعنيف والتشديد عليهم ما لا يخفى ؛ لأنّ الكفر إنّما كان بعد بيان الحجّة البالغة والاحتجاج عليهم بثبوت نبوّته صلىاللهعليهوآله وشهادته عزوجل وشهادة الملائكة عليها وتصديقه لما أنزله عزوجل