بحث دلالي
يدلّ قوله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) على فضل العلم وأثره الكبير في كسب الكمالات والحقائق الواقعيّة ، ولعلّ ذكر قوله تعالى : (وَالْمُؤْمِنُونَ) بعده ؛ لبيان أنّ هؤلاء هم المؤمنون حقّا ، ويؤكّد هذا أنّه عزوجل قد ذكر من أحوال أهل الكتاب عموما واليهود على الخصوص ، ووصفهم بالتذبذب وعدم الرسوخ في العلم وعدم الاستقرار على شيء من الحقّ مع ما استوثق منهم المواثيق المؤكّدة والعهود الغليظة.
فتبيّن الآية فضل الّذين استثناهم الله تعالى ؛ لأنّهم اتّصفوا بأوصاف تدلّ على علوّ منزلتهم ورفيع مقامهم ، وعظيم أجرهم الّذي وعده الله عزوجل للمؤمنين.
كما تدلّ الآية الشريفة على أنّ الإيمان مع العلم أعظم درجة من غيره ؛ لأنّهم تلبّسوا بحقيقته وعلموا بالذي اعتقدوه ، فآمنوا بالنبي صلىاللهعليهوآله وبما انزل إليه لما وجدوا أنّ نبوّته والوحي الّذي انزل إليه مثل ما اوحي الى الأنبياء الماضين عليهمالسلام ، فكان إيمانهم عن علم ومعرفة ، بخلاف غيرهم ممّن وصفه الله تعالى بالغفلة ، فقال عزوجل : (لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أُنْذِرَ آباؤُهُمْ فَهُمْ غافِلُونَ) [سورة يس ، الآية : ٦].
وممّا ذكرنا يظهر الوجه في ذكر : (وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ) ؛ لأنّ الإيمان به يستلزم الإيمان بما انزل قبله ، للتأكيد على صدق إيمانهم ، ولأنّ المقام مقام الفرق بين المؤمنين حقّا وأهل الكتاب الّذين يدّعون الإيمان بما انزل الى الأنبياء السابقين ، فاستدعي ذكر ما انزل قبلا.
والآية الشريفة بمجموعها تدلّ على ما يوجب الرسوخ في العلم ، وهو الإيمان بالله العظيم والإيمان بالأنبياء على أنّهم رسل الله تعالى ، بلا فرق بينهم إلّا ما فضّله الله تعالى بما ذكره عزوجل في هذا المقام وغيره ، وأنّ الغاية من بعثهم هي