قوله تعالى : (وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ).
أي : أنّ الله تعالى إنّما يأمركم بالإيمان لأنّه خير لكم ، وإن عرضتم وكفرتم فإنّ الله غني عنكم ولا ينقص بكفركم منه شيء ، فإنّ له كلّ شيء في السموات والأرض ـ خلقا وملكا وتصرّفا ـ فلا يتضرّر بالكفر كما لا ينتفع بالإيمان ، فلا يخرج الإنسان بكفره عن ملكه وعبوديته ، فهو القادر على جزائه بما يقتضيه كفره.
وتدلّ الآية الكريمة على أنّ الكافر مكابر لفطرته وعقله ، فإنّه كيف يتأتّى منه الكفر مع علمه بأنّ له تعالى ما في السموات والأرض.
قوله تعالى : (وَكانَ اللهُ عَلِيماً حَكِيماً).
أي : أنّه تعالى عليم بجميع الأمور ومحيط بمخلوقاته إحاطة علميّة لا يخفى عليه إيمان أحد ولا كفر آخر ، حكيم في أفعاله ، فلم يخلق عباده عبثا ، فإذا أمر الإنسان بالإيمان ، فلعلمه بأنّه خير له ، وإنّه يعذّب الكافر لأنّه استكبر ولم يؤمن.
قوله تعالى : (يا أَهْلَ الْكِتابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ).
آيات خاصّة نزلت في محاجّة النصارى بعد محاجّة اليهود الّذين كانوا على طرف النقيض مع النصارى في شأن المسيح عيسى بن مريم عليهالسلام ، فإنّه ـ كما حكى عنهم عزوجل ـ عرفوا بتحقيره وإهانته ورميه بما يمسّ كرامته ، والكفر به ، فكانوا في أعلى درجات التفريط في حقّه عليهالسلام.
وأمّا النصارى فقد غلوا في تعظيمه وتقديسه وتجاوزا حدود الله تعالى فيه ، فأفرطوا كلّ الإفراط ، فلما أبطل عزوجل شبهات اليهود عقبه بإبطال شبهات النصارى وتفنيد مزاعمهم.
وإنّما وصفهم بأهل الكتاب مع أنّه خطاب عامّ يشمل اليهود أيضا ؛ إرشادا لهم بعدم تجاوز الحقّ في شأن المسيح ، وزجرا لهم عمّا هم عليه من الضلال البعيد.
ويمكن القول بأنّ الخطاب لهم جميعا ، فإنّ اليهود كالنصارى غلوا في الدين وتجاوزوا الحقّ في شأن المسيح عليهالسلام ، فالاولى غلت فيه ففرّطت كلّ التفريط ، والثانية غلت أيضا فأفرطت كلّ الإفراط ، فيكون قوله تعالى : (إِنَّمَا الْمَسِيحُ